النهار

لبنان في مئويّته الثانية: "نظرة مستقبليّة"
مكرم رباح
المصدر: "النهار"
لبنان في مئويّته الثانية: "نظرة مستقبليّة"
لوحة تصويرية لإعلان دولة لبنان الكبير.
A+   A-
لبنان في مئويّته الثانية: "نظرة مستقبلية" وهو للحقيقة –كفكرة- ثمرة ثلاثة أعوام أو أكثر من الجهد والتخطيط بدرجة كبيرة من التفاؤل الذي يمكن وصفه بالساذج، التفاؤل بأنّ هذا الوطن الذي بلغ عامه الثاني بعد المئة، والذي باعتراف الأكثرية الكبرى من أبنائه ومن محبّيه ومن كارهيه تحوّل إلى "رجل أو كائن مريض" يصارع الموت السياسيّ وحتى الأخلاقيّ، وعلى الرغم من ذلك لا يزال قابلاً للتأهيل والبعث؛ بالمعنى الإيجابيّ للكلمة.
 
في حين أنّ موعد إطلاق هذا البرنامج -الذي سيمتدّ  إلى الأشهر الستة القادمة- سيتضمّن نحو اثنتي عشرة جلسة وطاولة مستديرة في مسارات أربعة (الحوكمة وسياسات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والأمن والدفاع) يأتي في خضمّ حفلة القتل المستمرّة لأهلنا في غزة وفي جنوبنا اللبناني، إنّ إصرارنا على عدم تأجيل موعد الإطلاق ينبع من قناعة ومسؤولية تامّة بأنّ المواضيع التي سيتمّ نقاشها من قبل أصحاب الاختصاص ومن المشاركين عامّة يصبّ في مصلحة قضيانا المركزية، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بشكل عام، وحقّهم في دولة فلسطينية ودول عربية قابلة للحياة، تؤمّن لهم حقّهم في الحياة والرفاهية وتحفظ كرامتهم الإنسانيّة.
 
في الأوّل من أيلول/ سبتمبر 1920 وقف المفوّض السامي الجنرال هنري غورو على عتبة مقرّه في قصر الصنوبر ليقرأ خطابه على ممثّلي الطوائف اللبنانية وممثلي الدول الكبرى معلناً قيام دولة لبنان الكبير.
الجنرال غورو وعلى الرغم من نزعته العنصرية والفوقية كان صريحاً في كلامه إلى اللبنانيين، وبالتحديد تنبيههم إلى ضرورة تطوير هذه الهدية الممنوحة لهم من قبل دولته فرنسا.
وفي أجزاء من هذا الخطاب:
"عند سفح هذه الجبال المهيبة التي صنعت قوّة بلدكم، لتبقى الحصن الحصين الذي يذود عن إيمانه وحريّته؛
وعند شاطئ هذا البحر الأسطوريّ، الذي شاهد سفن فينيقيا مثلّثة الأضلاع وسفن الإغريق وروما، التي أقلّت آباءكم المتسامين روحًا، المتمرّسين في التجارة والبلاغة، أحمل إليكم، في عودة سعيدة، عربون صداقة عظيمة وعريقة ومنافع "السلم الفرنسيّ"؛
"أمام كلّ هؤلاء الشهود على آمالكم، وعلى نضالاتكم وانتصاركم، وإذ أشارككم فرحكم وفخركم، أعلنُ رسميًّا (إنشاء) لبنان الكبير، وأحيّيه باسم حكومة الجمهورية الفرنسيّة، في عظمته وقوّته، من النهر الكبير إلى أبواب فلسطين وقمم جبال لبنان الشرقية. إنّه لبنان بجبله حيث يخفق قلب البلد الحارّ".
"مهما يكن، كلّ فعل إنسانيّ قابل للكمال، وإذا تكشّف هذا الفعل الذي ينفتح مستقبله اليوم عن ثغرات ونقاط ضعف، فإنّ فرنسا، التي سهرت على ولادته، والتي ستواصل الإحاطة به برعايتها في المستقبل، لن تتردّد، وفاءً لحبها واحترامها للحرّية، في أن تقترح عليكم أن تعالجوها".
"لكنكم أدرى من أن تستسلموا للنقد العقيم، في الساعة التي تُعرض عليكم مهمّة جسيمة وبديعة، هي مهمّةُ أن تمنحوا بلدَكم الجديد الحياةَ والأمنَ والازدهار بالتعاون من فرنسا".
"أيّها السادة، سوف أخون الثقة التي منحتموني إيّاها والتي بها أفتخر، إن لم أضفْ، في حضرة شعب حرّ يريد أن يصير شعبًا عظيمًا، إنّه يترتّب عليكم واجبات لتنفيذها.
أوّلها والأقدس: الوحدة، التي سوف تصنع عظمتكم، مثلما المنافسة بين الأعراق والأديان صنعت ضعفَكم".
 
وأختم بكلام غورو عن لبناننا:
"لقد نشأ لبنان الكبير لصالح الجميع. لم ينشأ ضدّ أحد. بما هو وحدة سياسيّة وإداريّة، لا يتضمّن من الانقسامات الدينيّة إلّا تلك التي توجّه ضميرَ كلّ واحد منكم نحو معتقدات وممارسات يعتبرها واجباتٍ دينيّة تحتفظ، بما هي كذلك، بحقّ الاحترام من الجميع".
 
ومع هذه الخاتمة المُستَلّة من وثيقة إعلان غورو للبنان الكبير، نعود إلى واقعنا.
 
إن إعلان ولادة لبنان الكبير من قبل الانتداب الفرنسي أتى ليعطي "المسيحيين" أو بالتحديد قسماً منهم ملجأً ووطناً مسيحياً في واحة العالم العربي والإسلامي، في هذا الحين فشل اللبنانيين في العقود الثلاثة الأولى من تجربتهم الجديدة بالأخذ بنصيحة الجنرال صاحب اليد المبتورة في معركة الدردنيل، بصهر الساحل اللبناني أو الأقضية الأربعة التي اُلحقت بجبل لبنان بالمعنى المجرد للكلمة مع الحدود السياسية والاجتماعية لدولة لبنان الكبير، ما دفع بقسم كبير منهم إلى العمل لفكرة الانفصال والوحدة مع سوريا عبر سلسلة من المؤتمرات عرفت بمؤتمرات الساحل، ضمّت عدداً كبيراً من ساسة ومفكري لبنان إلى فكرة الوحدة مع سوريا، فكرة ما لبث أن تخلّى عنها عدد من هؤلاء الساسة المسلمين لصالح الرهان على لبنان ومنهم من انتقل من احتقار هذا الكيان المختلق إلى تولّي رئاسة حكومته بعد عام 1943 كالزعيم رياض بك الصلح والأفندي حميد كرامي.
 
بطبيعة الحال، إنّ إعلان لبنان الكبير أعطى اللبنانيين جمهورية حديثة ضمن إطار اتفاقية سايكس بيكو والدول الوستفالية الناشئة؛ ولكنّ اللبنانيين، ولربما هم على حقّ، يفتخرون بقدم تجربتهم السياسية والاجتماعية، ويرجعون بها إلى الإمارتين المعنية والشهابية وعهد المتصرفية والبعض الآخر من عشاق الأرجيولوجيا والأساطير يرجعون بها إلى فينيقيا القديمة ومدن جبيل وصور وصيدا.
 
بطبيعة الحال ينظر اللبنانيون إلى الأمير فخر الدين المعني وإلى المير بشير الثاني كرجلَي دولة حاولا تشييد دولة حديثة في وجه "الاحتلال العثمانيّ لبلدهما"، ولكنّ اللبنانيين فشلوا في استعمال هؤلاء "الأبطال والشريرين" لخلق أساطير مؤسّسة ولو كاذبة، لتكون قادرة على تأسيس سردية تاريخية تشكّل مدماكاً لدولة حديثة وبيت لبنانيّ يتمّ فرشه بالقوانين والمؤسّسات التي تحميه من العواصف والوحوش الكاسرة.
 
عام 1943 قام الجنرال إدوارد سبيرز بدور القابلة السياسية، مساهما في ولادة الميثاق الوطني الذي نتج من لقاء مدرستين مختلفتين من الهوية اللبنانية عبر الزعيمين بشارة الخوري ورياض الصلح، فكان الاستقلال عن الانتداب الفرنسي. الأبوان المؤسّسان لهذا الاستقلال يمثلهما شيخهما المصرفيّ والدستوري ميشال شيحا، المحبوب والمكروه في آن، الذي رأى فرادة التجربة اللبنانية من التعايش والنمط المتوسّطي المغامر، فقام بتصميم اقتصاد يتناسب مع حياد لبنان وسط العالم العربي فأعطاه وجهاً عربياً وقدرة على اجتياز العديد من العواقب التي جعلت منه الطفل المدلّل للبلدان العربية الناشئة، لاسيّما دول الخليج النفطية التي احتاجت لمصارف وجامعات ومستشفيات لبنان، وبالنسبة إلى أثرياء مصر والعراق وسوريا وفلسطين، فهم رأوا فيه ملجأً اقتصادياً لأموالهم التي هرّبوها قسراً، بسبب التهجير في حالة الفلسطينيين أو بسبب التأميم في الحالات الأخرى، فعاش لبنان واللبنانيون العهد الذهبيّ المزعوم الذي لا يزال بالنسبة إليهم أحد الأهداف المنشودة في "نهضتهم القادمة".
 
بطبيعة الحال لبنان الملجأ بخدماته المتعدّدة لم يصمّم بطريقة متينة ومرنة في آن، فما لبثت التغيرات التي عصفت بالمنطقة لاسيّما نكبة 48 ونكسة 67 وارتداداتهما أن وضعت لبنان أمام خيارات وأسئلة عديدة تطلبت منهم إعادة النظر بشكل الصيغة اللبنانية والميثاق الوطني عبر طرح أسئلة صعبة تتعلق بدور الكيان اللبناني ورسالته الإنسانية، والأهم في تحديث نظام الحكم، بحيث يصبح الجميع بدون أيّ استثناء شركاء في صناعة القرار، عبر آلية دستورية واضحة وتعديل بنيوي في آلية الحكم تسمح بتقاسم السلطة وتأسيس جمهورية جديدة.
 
عدم رغبة الطبقة السياسية اللبنانية وطمع رجالاتها بالسلطة دفعت مراراً وتكراراً لتقديم لبنان ليكون بيدقاً في الحروب الإقليمية القائمة، فكان الرهان على الوحدة العربية مقابل الرهان على عقيدة أيزنهاور وبوارجه، وتكلّلت تلك المرحلة باتفاق القاهرة المشؤوم الذي وللمناسبة نحتفل بالذكرى الـ 54 لتوقيعه في الثالث من تشرين الثّاني/نوفمبر.
رفض اللبنانيون تحمّل مسؤولياتهم والتفكير بالمستقبل، جعلهم يتغاضون عن قطيع الفيلة في غرفهم، فرأوا في الحرب الأهلية اللبنانية "حروب الآخرين"، فالخارج بطبيعة الحال عامل أساسي ومحوري في حروبنا الأهلية المستمرّّة، لكنهم في الوقت نفسه رفضوا الاعتراف بالضعف البنيوي والمناعي لكيانهم السياسي الذي سمح للخارج باستخدامهم، كما قاموا بتسخير موارد الخارج في خدمة أجندات سياسية شخصية ضيّقة خبّأوها وراء زعمهم الدفاع عن عشيرتهم أو حزبهم أو دينهم، وفي المجمل كلّ ما سبق.
 
فشل اللبنانيون في الحفاظ على هذا البيت بمنازل كثيرة -كما أطلق عليه معلّمي الراحل العظيم كمال الصليبي- هذا الفشل ينبع من هوس العديدين إلى السلطة، وكذلك غياب طبقة من الحكماء والحكيمات القادرين وبكلّ شجاعة- وفي بعض الأحيان ضدّ مصلحتهم الشخصية والمذهبية- تقديم خطط واقتراحات عملية واستراتيجية قادرة على الصمود في وجه التحديات، بطريقة طويلة الأمد تجعل سيف الإصلاح والتطوّر في يد المواطن وليس في يد المستبدّين بالسلطة.
 
دخل اللبنانيون حرب سنة 75 مذخّرين بالسلاح والعتاد والتدريب، ولكن لعلّ أخطر سلاح في ترسانتهم كان الذاكرة الجماعية التي قامت على تمجيد الجماعة على حساب الفرد والمواطن، وشيطنة الآخر وتبرير إلغائه جسدياً وسياساً، ومن هذا المنطلق خيضت الحرب على تاريخ لبنان بقدر ما خيضت للسيطرة على السلطة فيه.
 
فعند انتهاء الحرب الأهلية وإقرار اتفاق الطائف، ظنّ اللبنانيون بأنّ مشكلتهم الأساسية هي في اختلافهم على ماضيهم وهوياتهم المتعدّدة وذاكرتهم الجماعية، فانصرفوا إلى قراءة أخطاء الماضي والتركيز على محاولة فرض هوية واحدة عبر مشاريع "شبه فاشية" لتوحيد كتاب التاريخ - والتي يعتبرها البعض ولربما على خطأ- كمدخل نحو توحيد لبنان.
 
ومن هنا بدلاً من الهوس بالماضي -وأعترف أمامكم به، هو مرض أعاني منه كمؤرخ- يطرح مشروعنا الحاليّ البحث في خطوات عملية للعيش سوياً في المستقبل، ليس كرعايا بل كمواطنين تحت سقف منزلنا اللبنانيّ، سقف الدستور والقانون.
 
وأذهب هنا إلى محاضرة شهيرة حسم فيها المفكر الفرنسي إرنست رينا مفهوم "ما هي الأمّة"، ليقول:
أن يكون لنا في الماضي إرث من المجد والحسرات نتقاسمه، وفي المستقبل برنامج بعينه نعمل على تحقيقه؛ أن نكون قد عانينا وابتهجنا وأهلنا سوياً، لهو أمر تفوق قيمته الحدود الجمركية المشتركة والحدود المطابقة للأفكار الاستراتيجية؛ وهذا ما يفهمه الناس بالرغم من تنوّعات العرق واللغة. كنت أقول منذ قليل -والكلام لرينا-: "أن نكون قد عانينا سوياً"؛ نعم، المعاناة المشتركة توقد أكثر من الفرح. فبالنظر إلى الذكريات المشتركة، نجد أنّ حالات الحداد تفوق في قيمتها حالات الانتصار، ذلك أنّها تملي علينا واجبات، وتتطلّب منّا جهداً مشتركاً.
 
الأمة هي إذن تضامن كبير تشكّل من الشعور بالتضحيات التي بذلناها سابقاً والتي نحن جاهزون لبذلها من بعد. الأمة تفترض وجود ماضٍ، ومع ذلك نراها في الحاضر تتلخّص بأمر ملموس: إنّه التوافق والرغبة الصريحة العبارة في مواصلة الحياة المشتركة.
 
نعود إلى لبناننا، فالعديد من محاولات المجتمع المدني والأحزاب السياسية اللبنانية لسبر آفاق الإصلاح، ومنها مشاريع شاركت فيها شخصياً وشارك فيها العديد من المتواجدين هنا اليوم، تمّ التركيز وفي بعض الأحيان بشكل حصريّ على تشخيص الأزمة أو الأوبئة اللبنانية المتعدّدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الطائفية والفساد وغياب حكم القانون إلخ... ولكن لم نستطع أن نجلس حول طاولة واحدة لنقدّم حلولاً مستقبلية قابلة للتأسيس لمئويّتنا القادمة ومسارنا نحو مستقبل أفضل؟
 
هذا المسار، كما تصوّرناه، سيكون على شكل نقاش وطني فاعل يتخطّى إدانة الطبقة السياسية، ويحدّد ملامح مستقبل لبنان وجوهره.
سيتألّف "لبنان في قرنه الثاني: رؤية مستقبلية" من اجتماعات ومؤتمرات مفتوحة ومغلقة، وأوراق عمل، ومقالات رأي، ودراسات، وملخّصات، تغطّي بشكل منهجي وشامل الجوانب التأسيسية للبنان بصفته كيانًا سياسيًّا ومجتمعًا، وهو يدخل القرن الثاني من الوجود الحديث.
سيشكّل الإطار النهائيّ، بما في ذلك المجالات التفصيلية للاستكشاف المتّفق عليها وإدارة المقترحات المتعارضة لمعالجتها، في حدّ ذاته المنتج الأوّل لهذا المسار.
 
ستدير الجامعة الأميركية في بيروت وكلية الآداب والعلوم وقسم التاريخ والآثار التابع لها من خلال التعاون مع الكليات الأخرى والقنوات متعدّدة التخصّصات داخل الجامعة الأميركية وخارجها في بيروت، وستوفر الحاضنات المادية والفكرية لهذه النقاشات الوطنية.
ستنتج هذه الحوارات أوراق نقاش منشورة بصيغة منقحة كمقالات كتبها مفكّرون من الجمهور يقودون النقاشات وينشرونها في وسائل الإعلام المطبوعة البارزة وعبر وسائل التواصل الاجتماعيّ.
سيكون المنتج النهائي عبارة عن كتاب أبيض عمليّ المنحى يلخّص المناقشات التي جرت ويعرض وجهات النظر والمتّفق عليه إلى أقصى حدّ ممكن، حول الأسئلة الأساسية التي يواجهها لبنان.
سيركز النقاش عبر الحلقات والورش العديدة على أربعة مواضيع أساسية: السياسة، والأمن، والاقتصاد والمجتمع والثقافة. وبدلاً من مجرّد تقديم تشخيص للعديد من المشاكل التي يعاني منها لبنان، ستقدّم هذه المناقشات والمنشورات اللاحقة خريطة طريق مستقبلية يمكن لصانعي السياسات وأصحاب المصلحة الرجوع إليها وتنفيذها في المستقبل.
الأمل هو أن يكون هذا المجهود التعبير الأول عن منحى منهجي جديد في التفاعل مع القضايا التي يعيشها لبنان، على أساس نضوج هذا الوطن، إذ شهد في مئويّته الأولى الأوجّ والحضيض، الوعد والخيبة، الاطمئنان والخطر، على أمل أن يكون قد خرج من كلّ هذا بقناعتين أساسيتين، الأولى أنّه باقٍ، وعلى أهله بالتالي الاعتناء به، والأخرى أنّ بقاءه هو بصون التعدّدية التي تميّزه، ما يدعونا جميعاً إلى حسن إدارة الخلاف والاختلاف، واستشفاف الغد على تعدّد احتمالاته، مع ترسيخ الإدراك أنّ الأمن والرخاء والازدهار هو في أن تكون مقوّمات النجاح متوفّرة لجميع المواطنين. نعمل بالتالي على أن تستتبع هذا الجهد الأول جهود لاحقة ذاتية ومؤسساتية، تبقي مستقبل الأجيال اللبنانية القادمة في صميم الهمّ السياسيّ والإداريّ والأمنيّ والاقتصاديّ والثقافيّ.
 
في قلب الجامعة أمام مبنى الوست هول، تقف شجرة ضخمة زُرعت سنة 1923، قبل مئة عام، أي بعد إعلان جمهوريتنا بسنتين، وتُعرف باسم شجرة الأثاب الهندي Banyan Tree -تُزرع كرمز للدلالة على البقاء أو الاستمرارية- تمتدّ جذورها العديدة لترسي نفسها في الأرض وتنمو بطريقة تؤمّن الظلّ والأمان، لكنّها في الوقت نفسه بحاجة إلى التقليم والاعتناء لتستطيع أن تنمو لتبلغ مئويّتها الثانية كما حال بلدنا لبنان.
 
أريد من هنا أن أرسل تحيّة إلى صديقي الراحل لقمان سليم الذي كان من أوّل مقترحي مثل هذا النشاط قبل سنتين من اغتياله في أرض الجنوب اللبنانيّ، وهو الآن لا يزال يحلم معنا في بناء بلد يليق بنا جميعاً، وأن نعيش في مستقبل من صنع أيدينا وليس قدراً فُرض علينا من ظالم.
 
 
*من افتتاح لبنان في مئويّته الثانية: "نظرة مستقبليّة"
 

اقرأ في النهار Premium