النهار

هل باتت "وقف إطلاق النار" مفردة بذيئة؟
فيصل ج. عباس
المصدر: "النهار"
هل باتت "وقف إطلاق النار" مفردة بذيئة؟
مجلس الأمن منعقداً.
A+   A-
لدينا مقولة شهيرة في اللّغة العربية تُستخدم عندما يكون "العذر أقبح من الذنب"، وهذا بالضبط ما يمكن قوله عن التبرير الذي قدّمته الولايات المتحدة يوم الجمعة بعد أن غدت الوحيدة في مجلس الأمن الدولي التي عارضت قرار الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة.
 
وبرّر نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة روبرت وود أمام مجلس الأمن بأن نصّ مشروع القرار "مُنفصل عن الواقع"، وأعاد تأكيد الموقف المُعلن لكلّ من الحكومة الأميركية والإسرائيلية، ومفاده أنّ وقف إطلاق النار سيقوّي شوكة حركة حماس.
 
ولكن، يبدو لي أن الأمر الوحيد "المنفصل عن الواقع" بالفعل هو هذا الموقف الأميركي، لا سيما أنه ترافق مع تفعيل وزارة الخارجية الأميركية لبند الطوارئ من أجل الموافقة على بيع قذائف الدبابات لإسرائيل، متجاوزةً بذلك الكونغرس.
 
والمثير للسخرية هو أنّه قد أتى استخدام الولايات المتحدة لحقّ النقض ضد وقف إطلاق النار، واتخاذها قرار تفعيل بند الطوارئ المذكور أعلاه، بعد أن انتقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إسرائيل علنًا بسبب عدد القتلى المدنيين الكبير خلال عدوانها على غزة، حين اعتبر بلينكن أنه يوجد فجوة بين "النية في حماية المدنيين والنتائج الفعلية" على الأرض. ولا تسألوني كيف يمكن إذن أن يصدر مثل هذا البيان عن وزارة الخارجية الأميركية نفسها التي وافقت للتو على بيع إسرائيل 14 ألف قذيفة للدبابات تُقدّر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار؟
 
لكن الأكثر "انفصالاً عن الواقع" هو الحجّة المُكرّرة التي تعتبر أن حماس ستخرج أقوى بسبب وقف إطلاق النار.
 
أولًا، لو كانت الولايات المتحدة وإسرائيل جادتين إزاء منع تزايد قوّة حركة حماس، لكان عليهما فعل ذلك قبل ستة عشر عاماً عبر منع أكبر ممكّني الحركة، أي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من "تحويلها من منظمة إرهابية إلى شريك"، وذلك بحسب ما ورد في صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل"، حيث جاء ذلك في سياق الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها سياسة رئيس الوزراء الحالي طويلة الأمد والمُتمثّلة بتوسيع هوّة الانقسامات بين الفلسطينيّين من خلال تقويض السلطة الفلسطينية الشرعية في الضفة الغربية وتمكين حركة حماس في غزة.
 
ثانياً، لا أعرف كيف يمكن لأيّ شخص أن يعتبر أن استمرار مجهود حربيّ أدّى إلى مقتل أكثر من 17,700 شخص، معظمهم من المدنيين والنساء والأطفال، سيُضعف حركة حماس؟
 
وللعلم، فإن ما أقوله لا يهدف إلى تبرير أفعال حركة حماس. لذا، أعيد وأكرّر: لا شيء يُبرّر قتل المدنيين أو استهدافهم بشكل متعمّد، سواء أكنا نتكلّم عن يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أو ما قبله، أو ما بعده.
 
لن يؤدّي الفشل في إيقاف هذه الحرب إلّا إلى اكتساب حماس تعاطفًا أكبر وتوليد جماعات تشبهها. وهذا واقع الحال لأنه، وفق ما ثبت حتّى الآن، يستحيل تحقيق هدف إسرائيل المُتمثل في القضاء على هذه الجماعات من دون سقوط عدد كبير من القتلى المدنيين وتشريدهم وتضرّر البنية التحتية بشكل غير مسبوق.
 
ولهذا السبب، وكونها الدولة الوحيدة التي استخدمت حقّ النقض لمنع تبنّي قرار الوقف الفوري لإطلاق النار، منحت الولايات المتحدة إسرائيل فعلياً ترخيصاً جديدًا للقتل. وغنيٌّ عن القول إن هذا يتناقض بشكل كامل مع القيم الأميركية المُعلنة ومواقفها السابقة، لا سيما انتقادها للحرب التي شنّتها روسيا ضد أوكرانيا.
 
ولهذا السبب، كان من المثير للتهكّم أن يمتلك مقدّم البرنامج الشهير في قناة "بي بي إس"، نيك شفرين، الجرأة الكافية ليسأل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عمّا إذا كانت المملكة تعتمد معايير مزدوجة عبر تبنّيها رأيًا ما علنًا وآخر سراً في ما يتعلّق بمسألة غزة؛ فإن كان هناك جهة منافقة، فقد بات من الواضح اليوم أنها الإدارة الأميركية الحالية. وبالتالي، يجب على شفرين أن يطرح السؤال نفسه على حكومته، وليس على السعودية.
 
وبالإضافة إلى ذلك، لا ينطبق ترخيص القتل الأميركي هذا على قتل إسرائيل للفلسطينيين فحسب، فقد ساهم حقّ النقض الأميركي هذا للتوّ في نشأة أجيال مقبلة من المتطرفين في غزة وخارجها.
 
وبالتالي، يجب إيقاف الحرب وتمهيد الطريق لتطبيق حلّ الدولتين عبر السماح بقيام دولة فلسطينية.
 
يبدأ هذا المسار بوقف لإطلاق النار، وهو ما "يُعتبر اليوم كلمةً بذيئةً للأسف"، بحسب ما قاله الأمير فيصل لقناة "بي بي إس"، مضيفاً أنّه ببساطة لا يستطيع فهم مثل هذا الموقف... وللأمانة، ليس سمو الوزير وحيدًا في ذلك، فلا أعتقد أن أيّ شخص عاقل يمكنه فهم مثل هذا الموقف الجنوني!
 
*رئيس تحرير "عرب نيوز" 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium