النهار

إقفال المدارس الكاثوليكية في حوار بين معلّم وتلميذه
غسان صليبي
المصدر: "النهار"
إقفال المدارس الكاثوليكية في حوار بين معلّم وتلميذه
تعبيرية.
A+   A-
التلميذ: لماذا تُضرب المدارس الكاثوليكية؟
 
المعلم: يسمّونه إضراباً في الإعلام، لكنه إقفال للمدارس؛ فمن يُضرب عن القيام بعمل يقوم به للمطالبة ببدل أتعاب عادل مقابل هذا العمل، وهذا ما ينطبق على المعلّمين في المدارس مثلاً، أو على الأجراء بشكل عام. أما أصحاب المؤسّسات أو أصحاب المدارس، في حالتنا، فهم يفتحون مدارسهم للتلاميذ أو يقفلونها بوجوههم.
 
التلميذ: ألا يتعارض ذلك مع الحق بالتعليم؟
 
المعلّم: بلى. لكن الحق بالتعليم يضمنه التعليم الرسمي وحده الذي لا يبقى تحت رحمة مشيئة أصحاب المدارس الخاصّة.
 
التلميذ: لماذا أقفلوا المدارس الكاثوليكية بوجوهنا؟
 
المعلّم: احتجاجاً على قانون أقرّه المجلس النيابي.
 
التلميذ: هل لأن القانون يمسّ بقضية تربويّة مهمّة، مثل حرية التعليم أو ما شابه؟
 
المعلّم: لديهم عدّة اعتراضات. لكن السبب الأبرز في النقاشات هو أنه يفرض على المدارس الخاصة دفع مساهمة أكبر لتغطية مصاريف صندوق تعويضات الأساتذة المتقاعدين، مع العلم أنّه من دون رفع هذه المساهمة لا يستطيع الصندوق تلبية معاشات التقاعد.
 
التلميذ: ولماذا يرفضون دفع مساهمة أكبر؟
 
المعلّم: لأنهم - وفق ما يقولون - لا طاقة لهم بتحمّل أعبائها.
التلميذ: وكيف نتأكّد من أنهم لا يستطيعون الدفع؟
 
المعلّم: هناك آلية قانونية في وزارة التربية للتدقيق بميزانيّات المدارس بمشاركة لجان الأهل، لكنها لا تُطبّق. نقابتنا تعاني كثيراً كلّما أرادت المطالبة بتحسين ظروف المعلّمين، مع علمنا أن المدارس الكاثوليكية تحقّق أرباحاً.
 
التلميذ: لكن المدارس الكاثوليكية، والمدارس الخاصّة بشكل عام، مؤسّسات لا تتوخّى الربح، وهي على هذا الأساس لا تدفع ضرائب، فضلاً عن أنها تتلقّى مساعدات من الدولة ومن جهات دينية وغير دينية. فلماذا يتباخلون على المعلّمين الذين لولاهم لما كان هناك تعليم ولا مدارس؟
 
المعلّم: هم يقولون إن المساعدات التي يتلقونها يجب ألا تدخل في الميزانية...
 
التلميذ: يجب إذن أن توزّع على الأهالي طالما أن المعلّمين لن يستفيدوا منها... لفتني أن توقيت الإقفال جاء بعد عيد الميلاد مباشرة، وكان من المفترض أن يتأمل رجال الدين، المسؤولون عن المدارس الكاثوليكية، في تعاليم يسوع، الذي قال "لا تعبدوا ربّين"، الله والمال. ومعلوم أن يسوع وتلاميذه كانوا يعتمدون صندوقاً يُشبه صندوق التعاضد، يتشاركون في تغذية مدخّراته كما في نفقاته، التي تراعي الأكثر احتياجاً. وبعد، ألم يكن يسوع معلماً ويعلّم الفقراء؟ ألم يقل البابا فرنسيس بوضوح إن الكنيسة إما أن تكون كنيسة الفقراء أو لا تكون كنيسة يسوع؟ أين المدارس الكاثوليكية من تعاليم يسوع؟ علامَ يخافون، فأملاك الكنيسة كبيرة، ولا خوف عليها من الضمور.
المعلّم: الأملاك والثروات الكنسيّة من أهمّ مصادر السّلطة والنفوذ، وهي جزء من الصراع على السلطة بين الطوائف، ولا يُمكن التفريط بها. على كلّ حال، نقابة المعلّمين تحاول معالجة الأمور مع المعنيين، وقد ألّفنا لجنة موسّعة مع المسؤولين في اجتماعنا عند البطريرك الراعي، وهي تتابع نقاشاتها، وقد توصّلنا مرحلياً إلى إعادة فتح أبواب المدارس، بانتظار حلول يُتّفق عليها.
 
التلميذ: لم أفهم لماذا كان الاجتماع عند البطريرك وليس في وزارة التربية أو المجلس النيابي مثلاً، ما دامت المسألة تحتاج إلى معالجة قانونية وليس دينية؟
 
المعلّم: لأن البطريرك معني بالمدارس الكاثوليكية، وهو أراد أداء دور في حلّ المشكلة.
 
التلميذ: من حق البطريرك تبنّي مواقف مدارس كنيسته، والتعبير عنها، لكنّه في هذه القضية طرف وليس مرجعاً سياسياً مدنياً.
المعلّم: ممثل المدارس الكاثوليكية صرّح بأنه يمثل بموقفه المدارس الطائفية الإسلامية أيضاً.
 
التلميذ: هذا لا يغيّر شيئاً في المشهد العام، فالإطار الصالح لإيجاد الحلول يبقى المؤسّسات الرسمية المدنية. أتساءل: لماذا المدارس العلمانية لم تحتجّ بدورها، هل لأنّ وضعها المالي أفضل؟
 
المعلّم: لا أعتقد...الأرجح أن المسألة لها علاقة بالنفوذ، فالمدارس التابعة للطوائف تريد أن تذكّر دائماً بموقعها، وبأنه لا يمكن تجاوزها عند اتّخاذ القرارات...
 
التلميذ: يبدو أنني بعد هذا النقاش معك، يا معلمي العزيز، لم أعد أجد أيّ فائدة في كلّ ما نتعلّمه في المدرسة، أكان دينياً، أم تربوياً، أم قانونياً أم سياسياً. فقد تعلّمت من إقفال المدرسة أكثر ممّا تعلّمته من فتحها.
 
المعلّم: لا أستطيع - للأسف - إلا الموافقة على ما تقوله، يا تلميذي الأعزّ؛ ولا يسعني إلا أن أشكرك على الدروس التي تعلّمتها أنا منك، في هذا الحوار، خارج جدران المدرسة.
 

اقرأ في النهار Premium