النهار

رسالة سعوديّة واضحة في دافوس 2024
السفيرة ريما بنت بندر في دافوس.
A+   A-
كتبتُ، منذ سنةٍ بالضبط، مقالًا بمناسبة اختتام أعمال الاجتماع السنويّ للمنتدى الاقتصاديّ العالميّ لعام 2023، حيث سلّطت الضوء على غياب قادة الجنوب العالميّ الرئيسيّين، وأشرت إلى أنّ مشاركتهم مهمّة لجعل الاجتماعات المستقبليّة للمنتدى أكثر نجاحًا. وقلت أيضًا إنّه حان الوقت ليعقد المنتدى الاقتصاديّ العالميّ اجتماعًا في السعودية، وهي دولة ذات مسارٍ إيجابيّ لدرجة أنّ ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان وصفها، خلال مقابلةٍ أجراها مع قناة "فوكس نيوز" في أيلول/ سبتمبر الماضي، بأنّها "قصة نجاح القرن الواحد والعشرين".
 
كما كتبتُ، مُقتبسًا الكاتب الإنجليزيّ الذي عاش خلال القرن السابع عشر فرانسيس بيكون، إنّه "إذا لم يأتِ محمّد إلى الجبل، فعلى الجبل أن يأتيَ إلى محمّد".
 
وقد أعلن الوفد السعودي والإدارة العليا للمنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أنّ السعودية، وللمرة الأولى، ستستضيف اجتماعًا خاصًا في شهر نيسان/ أبريل. وتُعدّ هذه الخطوة في حدّ ذاتها إقرارًا بالتقدّم الهائل الذي شهدته السعودية منذ إطلاق رؤية 2030.
 
إلّا أنّ أهميّة هذه الخطوة لا تكمن في عقد المنتدى في حدّ ذاته في مدينة الرياض، بل في موضوع الاجتماع الذي سيتناول "النموّ من خلال التعاون العالميّ"، وهو أمرٌ لطالما كانت تسعى إليه المملكة نسبةً إلى ثقلها الاقتصاديّ والدبلوماسيّ والدينيّ.
 
وقد شهدنا على هذا الأمر بشكلٍ مباشر مرّات عدّة، حيث تجلّى التركيز السعوديّ على التعاون العالميّ بوضوح من خلال الجهود التي بُذلت خلال فترة انتشار جائحة فيروس كورونا، وتيسير عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا عام 2022 وإنقاذ المدنيّين من السودان عام 2023.
 
ولفهم منهجية التفكير المُعتمدة في المملكة بشكلٍ أكبر، أوصي بشدّة بالاستماع إلى الإجابات التي أدلت لها السفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر ردًّا على الأسئلة التي طرحتها عليها مذيعة قناة "سي إن إن" بيكي أندرسن خلال جلسة نقاشٍ نُظّمت في دافوس يوم الخميس، حيث أوضحت الأميرة ريما أنّ نجاح رؤية 2030 يستند إلى الاستقرار الإقليميّ والتعاون العالميّ.
 
كما أوضحت الأميرة ريما الموقف السعوديّ حيال تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
 
وفي ظلّ الكارثة التي يشهدها قطاع غزّة، كانت المسائل الجيوسياسية مطروحةً بكثرة خلال النقاشات المرتبطة بالشرق الأوسط في دافوس. وقد زادت حدّة هذه النقاشات عندما حاول الرئيس الإسرائيليّ إسحق هرتسوغ خلط الأمور على نحوٍ غير منطقي، قائلًا للمنتدى إنّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية سيكون "عنصرًا أساسيًا في إنهاء الحرب مع حماس وسيغيّر المعادلة بالنسبة إلى الشرق الأوسط بأكمله".
 
أمّا الأميرة ريما فأوضحت أنّ "السلام والازدهار، لا التطبيع" هما في صلب السياسة السعودية. وكان هذا هو موقف المملكة الذي لم يتغيّر منذ مؤتمر مدريد الذي عُقد في العام 1991، حيث يشدّد على أنّ الرياض مستعدة للمضيّ قدمًا في عملية تطبيع العلاقات بشرط إنهاء معاناة الفلسطينيين والتوصّل إلى حلّ. ويُعدّ من غير المرجّح أن تتغيّر المُتطلّبات والضمانات الأمنية التي تطالب السعودية الولايات المتحدة بها كجزء من أيّ صفقة ثلاثية الأطراف، إلّا أنّه من البديهيّ أنّ الحرب في غزّة لم تؤدِّ إلّا إلى تعقيد الأمور، ورفع المطالب الفلسطينية وجعل تلبيتها أكثر أهمية.
 
وأشارت الأميرة ريما إلى أنّ "الفلسطينيين يستحقّون أن يكون لهم دولة وسيادة ومسار لا رجعة فيه"، وذلك قبل أن تبادر إلى إدانة سفك دماء المدنيين الأبرياء من الجانبين، والإدلاء ببيان قويّ حول الحاجة إلى وقف فوريّ لإطلاق النار.
 
وقد ردّد وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان هذا الموقف لاحقًا في مقابلة أجراها مع كير سيمونز من شبكة "إن بي سي"، إذ قال إنّ "ما نعتبره أساسيًا الآن هو إيجاد مسارٍ ذي مصداقية ولا رجعة فيه نحو إقامة دولة فلسطينية. وأعتقد أنّ عبارة "لا رجعة فيه" هي ما يجب أن نشدّد عليه، لأنّ هذا هو الشيء الذي كان ينقصنا في الماضي".
 
ويختلف المحلّلون حول متى سنشهد على نهاية الكارثة في غزّة. ومع ذلك، فمن الواضح أنّ وقف إطلاق النار من المرجّح أن يكون مربوطًا بإطلاق حركة حماس سراح جميع الرهائن المحتجزين لديها كخطوة أولى. وقد يكون تحقيق ذلك صعبًا لأنّ إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار يعني أنّ كلا الطرفين سيفقدان قدرتيهما على الضغط على الآخر. ولهذا السبب، يُعدّ تقديم الضمانات والدعم على المستوى الإقليمي ومن قبل الولايات المتحدة أيضًا ضروريًا جدًّا.
 
إلّا أنّ بعض النقّاد الإسرائيليين يشكّكون في هذا الموضوع، إذ يعتبرون، ولأكثر من سبب، أنّ استمرار الحرب يصبّ في مصلحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وعلاوة على ذلك، استبعد نتنياهو يوم الخميس بشكل واضح وصريح الخطوة الثانية، أي الالتزام بشكل لا رجعة فيه بإقامة دولة فلسطينية، ما قد يؤدّي على الأرجح إلى انهيار ائتلافه اليمينيّ المتطرّف الحاكم.
 
ومع ذلك، يجب على رئيس الوزراء أن يفهم أنّه لا يوجد طريق سهل للخروج من هذا المأزق. ويعتبر اليسار الإسرائيليّ وشخصيات من المعارضة الإسرائيلية، الذين شارك بعضهم في اجتماعات دافوس، أنّ تحقيق السلام يتطلّب من الولايات المتحدة وغيرها من القوى الإقليمية إجبار نتنياهو على الاستقالة وإفساح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة، إلّا أنّه من غير المرجّح حصول ذلك لأنّه، من دون إقامة انتخابات جديدة، لا يمكن إقالة الحكومة الحالية وتعيين رئيس وزراء جديد إلّا عبر حصول هكذا اقتراح على أصوات غالبيّة أعضاء الكنيست.
 
وبالتالي، انطلاقًا من تحليل سياسيّ بحت، لا يوجد أمام نتنياهو إلّا خياران. يتمثّل الخيار الأوّل في الاستمرار في الحرب وزيادة خطر التعرّض لضغوط عالمية ودولية ولمخاطر أمنية ولاتّهامات بارتكاب إبادة جماعية. أمّا الخيار الثاني، وعلى الرغم من أنّه غير مرجح، فيكمن في أن يكون نتنياهو الشخص الذي يتذكّره العالم لأنّه حقّق السلام رغم كلّ العقبات وأعطى الفلسطينيين دولة، وتمكّن من ضمان اعتراف لا السعودية فحسب، بل العالمين العربيّ والإسلاميّ بكاملهما، بدولة إسرائيل.
 
ويبدأ الخيار الثاني في وقف لإطلاق النار. فلنصلِّ إذًا من أجل حصول ذلك، سواء خلال ولاية نتنياهو أو ولاية أيّ زعيم إسرائيليّ آخر.

اقرأ في النهار Premium