النهار

‎نازك رفيق الحريري في ذكرى الحبّ والعلم والسياسة
المصدر: "النهار"
‎نازك رفيق الحريري في ذكرى الحبّ والعلم والسياسة
الرئيس الشهيد وزوجته نازك الحريري.
A+   A-
سالي حمّود
 
تقترب الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
سبقت الذكرى الأولى ولادة تياري 8 آذار و14 آذار اللذين ولدا على فاجعة ١٤ شباط، ذلك التاريخ الذي اعتدنا عليه قبل ٢٠٠٥ أن يكون احتفالاً في الحبّ، وبات ذكرى غاضبة على رحيل كبشِ فداءٍ كان في حجم وطنه، وأكثر، دُفِع اغتياله ثمناً لاغتيال لبنان الجديد. لبنان الذي كان في عهده قريباً من الوصول نحو الساحة السياسية العالمية، وأوشك أن يشهدَ توازناً سياسياً ينقذه ممّا وصل إليه في الحاضر، كما كان قد أوشك على التهرُّب، إن لم نقل التحرّر، من نظامٍ سابقٍ ليعبُرَ نحو حقل ألغام القرار ١٧٠١ الجدليّ.
 
وقد يعارض البعضُ، أو كثيرون، ما أقول، إذ في السياسة أطيافٌ متعددةٌ تتنازع بحسب الأجندات والأيديولوجيات، ولكن لا تنازعَ على أنّه كان، ولا زال، رجل علم، منح فرصة العلم للكثيرين ممّن فقدوا الأمل في سعيهم وراء شهادة جامعية أو مدرسية، إذ كان الفقر، ولا زال، سدّاً أمام الحلم والطموح. ولكنّ الكون مفتوح أمام من يؤمن ويكافح.
 
لقد كان الرجل فقيراً مكافحاً. ولا عيب في الفقر ولا في الكفاح. بل العيب في نكران ذلك الفقر وذلك الكفاح.
لم ينكر رفيق الحريري فقره وعوزه، بل جعل ذلك محفّزاً لحماية العلم والفكر والثقافة من شبح العوز والفقر، وتبنّى أكثر من أربعين ألف شاب وشابة، وأنشأ جيشاً من المثقّفين والمفكّرين.
ولكنّه اغتيل في تاريخ الاحتفال بعيد الحبّ.
 
هذا العام تعجّ الصفحات الإعلامية بالانقسام بين ١٤ آذار و ٨ آذار، بين موالٍ ومعارض ومشتاق. ولكن في كلّ هذا الزخم أتفكر في الحبّ وارتباطه بالتخلّي والتجلّي؟، وكيف أنّه يتجلّى في تخلّينا؟ أفي التخلّي تجلٍّ؟
 
وأفكر بمن حمل بعده رسالة العلم، حبّه الأوّل والأخير، ذلك الحبّ الذي لم يتوان مرة في أيّ من مقابلاته الإعلامية أن يستذكرها ويتغزّل بها. لقد كانت دوماً "ستّ الستّات"، وأهداها رقما هاتفيّاً كان "ستّ ستّات" (٦٦٦٦٦٦). كان دوماً حاضراً في عشقه إلى آخر لحظة في حياته.
فقد كان مسافراً إليها في باريس نهار اغتياله، وكان أعلن أنّه سيغادر بيروت ليحتفل مع حبّه في عيد الحبّ. ولكنّ بيروت غدرته وفرّقته عن حبّه منذ ذلك اليوم.
 
تلك المرأة التي كانت حاضرة في الإعلام والمناسبات الاجتماعية والإنسانية انكفأت عن كلّ شيء وعن كلّ أحد، ولكنّها لم تنكفئ يوماً عن الالتزام برسالة حبيب عمرها.
لقد كانت ولا تزال امتداداً لإرث رفيق الحريري بعيداً عن التضخيم الإعلامي الذي يتلهّى بسلبيات السياسة ودهاليزها، ويتجاهل إيجابيات التطوّر وأبعاده.
والتزمت "الستّ نازك" بالتمسك بمؤسسات الحريري التعليمية وعلى رأسها جامعة رفيق الحريري.
ذلك الصرح التعليمي المطلّ على البحر المتوسط من بين غابات المشرف على أطراف الشوف، يحمل تاريخاً عريقاً في العلم والتعليم من قبل إنشاء جامعة الحريري الكندية، التي أصبحت لاحقاً جامعة رفيق الحريري. إذ كان صرحاً مدرسياً توافد إليه طالبو العلم من كلّ صوب في العالم العربي والشرق الأوسط وخاصة الخليج. هدّدته الأزمات السياسية والاجتماعية والمالية التي عصفت بهذا الوطن الصغير، الذي يتجاوز الجغرافيا والمساحات. ولكنّه لا يزال يحاول العبور من الأزمات نحو الفرص، تكريماً لروح الشهيد، وإكراماً للعلم ورايته، ووفاءً لوعد "ست الستّات" لحبيب العمر وما بعده.
 
تلك الجامعة تجمع أبناء الجغرافيا الواحدة في مجمع علمي قادر على احتضانهم بعد ما سحبت السياسات الفاسدة نعمة التعليم والتعلّم من عائلات ميسورة وأمهات مكافحات وأسر أكثر هشاشة.
 
أترقب الزحمة الإعلامية حول عودة الرئيس سعد الحريري إلى أحضان السياسة الداخلية والطائفة السنية والأروقة الحكومية، ولكن لا يمكنني أن أتجاهل أنّ هذه المناسبة "السياسيّة" تأتي في ظلّ مناسبة عالمية تحتفل بالحب في ظلّ غياب الحب عن كثير من المناسبات.
 
والعبرة لمن يعبر في ١٤ شباط نحو حبّ الحبّ، وحبّ الوطن.

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium