النهار

السعودية والحلف الأميركي… الرسائل المشفّرة
د. خالد محمد باطرفي
المصدر: "النهار"
السعودية والحلف الأميركي… الرسائل المشفّرة
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
A+   A-

عندما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الموقف السعودي من حرب غزة مع بداية الغزو الهمجي، اختار أن يتم ذلك من مكتب الملك فيصل في قصر المعذر، وهو مكتب مغلق حافظت مؤسسة الملك فيصل الخيرية على محتوياته كما كانت عليه.

وعندما التقى الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية بنظرائه من قطر ومصر والإمارات والأردن وفلسطين، زيّنت القاعة بصور تاريخيّة للملك فيصل في مواقف متعددة داعمة للقضية الفلسطينية لتظهر في خلفية الصور الرسمية.

بتصوري، أن استدعاء ذكرى الفيصل، شهيد القدس، وبطل عبور خط برليف، كما وصفه الرئيس المصري، أنور السادات، وصاحب مبادرة قطع النفط عن الدول المؤيدة لإسرائيل بعد حرب رمضان، 1973، يمثل رسالة مشفّرة من القيادة السعودية إلى صنّاع القرار في أميركا وحلفائها، وللأشقاء الفلسطينيين والعرب، وللعالم الإسلامي، تؤكد أن السعودية لم تتزحزح عن التزامها تجاه القضية، ولم تتراجع عن شَرطية القبول بمبادرتها للسلام والتي اعتمدتها القمة العربية في بيروت عام 2002، بما في ذلك قيادات محور الممانعة من سوريا الأسد إلى ليبيا القذافي، والسلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس ياسر عرفات.

وتشمل المبادرة عودة إسرائيل إلى حدود 67 والتخلي عن الأراضي التي احتلتها من الضفة الغربية وغزة والجولان وسوريا ولبنان. وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعندما واصل الإعلام الإسرائيلي والأميركي والبريطاني التشكيك في صلابة الموقف السعودي. وتكشفت مصادر التأثير والتوجيه بتصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن الأميركي، جون كيربي، التي توحي بأن الرياض تدرس العرض الأميركي بمعاهدة أمنية وأسلحة متطورة وبرنامج نووي سلمي مقابل التطبيع مع تل أبيب. عندها تصدت وزارة الخارجية السعودية في بيان صارم، وحازم، أكد المؤكد، وثبّت المعلوم، ونفى التراجع أو التردد.

كل هذا معروف وثابت من ثوابت السياسة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، وموقفه من وعد بلفور ومؤتمر لندن 1936 ومع الرئيس الأميركي روزفلت في اجتماع البحيرات المرة، ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في السويس، ولكن الجديد أن الرياض هذه المرة بذلك تضحي بمصالحها الأمنية والدفاعية والتجارية التي نص عليها العرض الأميركي الأخير من أجل القضية. والذين صدقوا الرواية الأميركية الإسرائيلية دفعهم لذلك منظورهم السياسي والمصلحي، فمن يفرّط في مصالحه من أجل غيره؟ ومن ضحّى ولو بموقف سياسي عندما احتاجته السعودية؟

ثم هناك المتاجرون والمزايدون على القضية من أقصى اليسار العقائدي إلى ملالي طهران وسلاطين أنقرة وجماعة الأخوان. وهؤلاء تحرّكهم مصالح وأجندات معلنة وخفية تعرقلها الرياض. فلو حلت القضية لفقدوا قميص عثمان ورايات الحسين ومسوّغات الثورة. وعليه، وجبت مواجهة الرياض وتحميلها مسؤولية كل أخطاء الأمة وخطاياها. ولا أتوقع أن يغيّر من عدائهم وتحريضهم ضدها أي موقف أو إنجاز.

ولكن تبقى الشعوب المضلَّلة والنخب الضالّة، وفيهم من كان يبحث عن إشارة سعودية واضحة حاسمة تطمئن قلوبهم وتحرر عقولهم من الشك والحيرة. وردود الفعل المرحبة ببيان الخارجية الأخير ودعوة السعودية لانعقاد مجلس الأمن للنظر في التمادي الإسرائيلي والعدوان الوحشي على رفح، تؤكد ذلك.

اما صهاينة الغرب وإسرائيل، فقد كانت المواقف والبيانات السعودية الأخيرة صادمة لأوهامهم، وموقظة لأحلامهم، وفاضحة لأكاذيبهم. فلا تراجع ولا تردّد ولا تبدّل للدعم السعودي المطلق للقضية. ولا تنازل عن شبر واحد من الأرض. ولا تمثيل بلا تفويض، أو تفاوض بالنيابة، أو تأثير على الإرادة. فالفلسطيني كان حاضراً في اللقاءات السعودية الأميركية ليوصل صوته ويضع شروطه ويقرر بنفسه لنفسه.

رسائل السعودية المشفّرة والصريحة، ومواقفها في السر والعلن، وسياستها الماضية والحاضرة، لم تتحول أو تتبدّل حسب المواسم والقيادات والمصالح كما غيرها. وتبقى كلمة الفيصل وعهده ووعده، بأننا لن نفرّط أو نقبل حتى لو أجمع العرب على ذلك، حقًّا اليوم كما كانت بالأمس. ويبقى رده على من قال إن الواقعية السياسية تفرض تنازل الضعيف للقوي، بأننا لو فقدنا كل سلاح يبقى بيدنا سلاح لا يُنزع: أن نقول لا!

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium