عنوان المقال اليوم هو موضوع سجال محتدم بين فريقين من اللبنانيين: فريق يريد تحميل الدولة مسؤولية التعويض وفريق يريد تحميلها لـ"حزب الله". اللافت أنّ أحداً لا يحمّل المسؤولية لإسرائيل. رأيي الشخصي أنّ الأطراف الثلاثة يتحملون المسؤولية القانونية، وأفصّله في النقاط الآتية:
١- الضرر في القانون هو الأذى الذي يلحق بالشخص في ماله أو جسده أو عرضه أو عاطفته، ويترتّب عليه واجب التعويض مهما كان نوعه مادياً أم معنوياً، ما يؤدّي إلى المسؤولية القانونية للشخص الذي يرتكب الفعل الضارّ."
٢- يمكن للأضرار الناتجة عن الحرب في الجنوب أن تكون: جسدية (وفاة، نزوح، أذى جسديّاً، اضطرابات نفسية، الخ..)، أو مالية (مسكناً، سيارة، أرضاً عادية، أرضاً زراعية، الخ...)؛ أو غير مباشرة: (قلقاً عامّاً عند اللبنانيين، خوفاً، انعكاسات اقتصادية على الأسواق وعلى حركة الانتاج والاستثمار)...
٣- من يتحمّل مسؤولية التعويض عن هذه الأضرار؟ "المسؤولية بشكل عام هي متابعة شخص عن فعل قام به سبّب ضرراً للغير، سواء أكان هذا الفعل إيجابياً أم سلبياً (أي القيام بالفعل أو الامتناع عنه). والمسؤولية تكون متبوعة بعقاب، قد يكون أدبياً (معنوياً) أو مادياً (السجن أو الغرامة المالية) وهذا حسب نوع المسؤولية وخطورة الفعل المرتكب."
٤- الجهة التي تسبّبت مباشرة بالأضرار هي اسرائيل، ويجب التفتيش في القانون الدولي عن كيفية تحميلها هذه المسؤولية.
٥- لكن الفعل الذي قامت به إسرائيل وتسبّب بالأضرار، كان ردة فعل على فتح "حزب الله" لجبهة الجنوب مساندةً منه لغزّة. وهنا تبرز مسؤولية "حزب الله" عن التعويض عن الأضرار، وكيفية اقتسام هذه المسؤولية مع إسرائيل، نسبة للأضرار وتناسبها مع الفعل وردة الفعل.
٦- لا يستطيع "حزب الله" التبرؤ من المسؤولية وإلقائها على عاتق الدولة، بحجّة أنّه مقاومة، وأنّ المقاومة تمارس حقّها في الدفاع عن لبنان بموافقة الدولة. فالحرب القائمة حالياً في الجنوب لا علاقة لها باستكمال تحرير الأرض، أي تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. بل هي، كما أعلن "حزب الله"، من أجل الدفاع عن غزة.
٧- لكن هذا لا يعفي الدولة من مسؤوليتها في وجه "حزب الله" أولاً: فالحكومة تتحمّل مسؤولية عدم رفع الغطاء الشرعيّ عن الحزب عندما اتخذ قرار الحرب بمعزل عنها، أي أنّها عملياً، تتحمل مسؤولية مساءلته عن فعلته، عبر وزرائه ونوابه، باعتبارها مخالفة للدستور، ويترتّب عليها تعويض ماليّ وجزائيّ. وفي هذا السياق يجب عدم إغفال دور المجلس النيابي ومسؤوليته في مجال مساءلة الحكومة عن تقاعسها في موضوع انخراط "حزب الله" في الحرب. مسؤوليتها أمام المتضررين ثانياً: فهي المسؤولة دستورياً عن التعويض عليهم، وإن كان هذا التعويض يجب أن يتأتّى من ثلاثة مصادر: من إسرائيل، من "حزب الله"، ومن الموازنة العامة. مسؤوليتها تجاه المواطنين ثالثاً: فمن جهة، أضرار الحرب تشملهم جميعاً، إن لم يكن مالياً فمعنوياً؛ ومن جهة ثانية، إنّ دفع التعويضات سيُقتطع من ضرائبهم، ويترتب عليه انتقاص من الخدمات العامة التي تقدّم لهم.
٨- المواطنون يتحملون أيضا جزءاً من المسؤولية، لكنّها سياسية وليست قانونية، وهي ذات شقّين. الشقّ الأوّل، له علاقة بموقفهم من الحكومة وعدم احتجاجهم على سكوتها عن تفرّد "حزب الله" في إعلان الحرب. والشقّ الثاني له علاقة بموقفهم من "حزب الله"، وسكوتهم عن ممارساته المتمادية، المخالفة للدستور وللرأي العام اللبناني بمعظمه. وربما هي المرة الأولى التي قد يتلمّس فيها المواطنون بالمباشر، نتائج سياسات "حزب الله" على معيشتهم، من خلال إجبارهم على اقتطاع جزء من ضرائبهم لدفع التعويضات.
٩- في السجال الدائر يتساءل الذين يريدون تحميل "حزب الله" مسؤولية دفع التعويضات، عن سبب تقاعس الدولة عن دفع تعويضات للمتضرّرين من انفجار المرفأ. القضية مهمّة في حدّ ذاتها وتُبرز غبناً أكيداً، لكنّ الأهمّ في المقارنة أنّها تطرح للنقاش السياسة الإنفاقية للدولة بشكل عام، وهي مسألة من المفترض أن تُناقَش في إطار مناقشة موازنة الدولة ككلّ.
١٠- ما لم يجرِ نقاشه للأسف، هو الإنفاق على القوى الأمنية، المكلّفة دستورياً حماية المواطنين والوطن، والتصدّي للاعتداءات الخارجية. فموضوع دفع التعويضات، يحيل حكماً إلى موضوع جدوى الإنفاق على القوى الأمنية، طالما تُمنع هذه القوى من القيام بواجبها. مع العلم أنّ قيامها بهذا الواجب على الحدود مع إسرائيل كان من الممكن أن يحول دون حربها مع "حزب الله"، وتالياً دون الحاجة إلى طرح موضوع التعويضات من الأساس.
مسألة التعويض عن الأضرار نتيجة الحرب في الجنوب، تطرح دفعة واحدة جميع هذه القضايا المثارة أعلاه، لكنّ أبعادها تطال صلب النقاش الدائر في السرّ وفي العلن، حول اللامركزية بأشكالها المتعدّدة. فقرار الحرب له تبعات أمنية ومالية على البلاد وهو يمسّ بعلاقاتها الخارجية. وهذه العناصر الثلاثة، أمن البلاد وماليتها وعلاقاتها الخارجية، هي محور أيّ نقاش جدّيّ حول اللامركزية وحدود صلاحياتها.
ولعلّ مسألة التعويضات، تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، "حزب الله" والحكومة والمجلس النيابيّ والمواطنين، وتطرح شكل النظام السياسي جدّياً على بساط البحث، قبل أن تصبح مسألة الكيان اللبناني ككلّ، هي القضية.