ليست هذه الورقة بحثاً علمياً، ولا كلمة سياسية. ليست سوى مقال، أحاول فيه فتح جدل صريح مع اهل بلدي جميعاً. أفتح جدلاً، بعدما جرى ما جرى، حول مستقبل سوريا الممكن، وحول ما يمكن للسوريين وليس غيرهم ان يفعلوا.
لا ادّعي معرفة، بل ادّعي رأياً، يحتاج للنقد، والجدل، بعيداً من المسلّمات، كي يشحذ او يردّ.
تثير كلمة المصالحة والديموقراطية التوافقية جدلاً كبيراً بين السوريين. ذلك انّها تحتّم حصول تفاوض وتوافق في ما بينهم، وبعد أن صار بينهم ما صنع الحداد والكثير الكثير الكثير من العداوة ومشاعر الانتقام. وهم يعرفون أنّ أي توافق سيعني تغييراً وانتقالاً سياسياً غير ممكن من دون تحوّل جوهري في الواقع الراهن، وتبدّل في بنية الدولة والمؤسسة السورية.
بل، وبحسب عمليات المسح الإحصائي، تعتقد غالبية السوريين، أنّ سلطات الأمر الواقع، على اختلافها، لن تصالح احداً! ولعلّ سبب ذلك انّ المصالحة تتناقض موضوعياً مع سبب وجود قوى الأمر الواقع ذاتها. بل لقد أفشلت هذه القوى وفشلت بدورها، في أي مصالحة كانت تفتح أفقاً جديداً كمخرج من الفاجعة السورية. هذا ما تؤكّده الأحداث قبل الانتفاضة وبعدها من حلب وحمص إلى درعا الخ... وأي مصالحة حقيقية ستعني جوهرياً تغيير طبيعة البنية السياسية السورية ونموذجها الاقتصادي. ولكل زمان دولة ورجال.
لكني سأبدأ بالحديث عن مثال البوسنة، ومن ثمّ عن لبنان إلى حدّ ما، لكونهما قريبين زمنياً، وملموسين في بعض ملامحهما بالنسبة إلى سوريا.
بعد استبداد شيوعي كاسح، مماثل للاستبداد في سوريا، اشتعلت يوغوسلافيا لتنقسم وتنتج دولاً تجد كل منها مبرراتها التاريخية للانقسام.
ذلك انّ وحدة الدول مثل الزواج، وانفراطها مثل الطلاق. وفي حين انّ حق الطلاق هو الذي يضمن توازن الزواج وإنصافه، يصير الطلاق مخرجاً محتملاً، بعد ان يضرب الزوج زوجته (مثلاً). فعند نقطة معينة من العنف والظلم وانسداد الأفق، يكون الطلاق محتّماً. وهكذا "وقع الفأس في الرأس" وانفرطت يوغوسلافيا.
المشكلة لم تعد في انفراط عقد يوغوسلافيا، إذ لم تتمكن المكونات التي نجمت عن تفكّكها من التوافق على العيش المشترك في ما بينها. وبقيت هذه المكونات تتصارع إلى الآن داخل كل دولة وليدة، على شروط العيش المشترك. الأصل في ولادة الدول في هذا العصر الحديث هو حق تقرير المصير. لكن منذ أن انشقت البوسنة وأخواتها عن يوغوسلافيا، لم يتمتع أي منها يوماً بسلم أهلي، انّها الآن دول فاشلة تماما!
السلم الأهلي في دول ما بعد يوغوسلافيا، لم يأت من الداخل، بل فرضه الدخلاء في دايتون، ورتبوا مصالحة فُرضت من الخارج بحسب ميزان القوى الدولي والإقليمي القائم، بل فرضوها عبر الكثير من الرياء حول الإرادة الطيبة للبوسنيين والصرب الخ..
لكن ما ثبت هو انّ الإرادة الطيبة لا تكفي، في غياب الإرادة والتوافقات المشتركة. لتصير دايتون اتفاقية، تطفئ اللهب، لكنها لا تطفئ النار، ولتبقى، مثل لبنان، في حرب اهلية مستبطنة وأحياناً، ومتفجّرة من حين لحين.
العبرة هنا، انّه طالما لم تتوافق مكونات الدولة، أي دولة، طوعياً و(على بلاطة) في ما بينها، يبقى الجمر تحت الرمال، وتبقى القوى الخارجية تستثمر (تتآمر) في الصراع، ويبقى كل طرف يراهن على انتصارٍ كوني لعصبة من الدول المناصرة، كي يغلب الآخرين من اهل بلاده.
استخدمت كلمة "الصراحة" هنا، كنقيض للمراءات ولاستبطان الخلافات امام الكاميرات، وفي المفاوضات، وتحت ضغط موازين القوى التي يفرضها حلول الدخلاء. فحين يكون توازن مصالح الدخلاء بديلاً من أهل البلاد ما ان تتبدّل الأحوال وتنزاح موازين القوى تنفجر الحرب من جديد. ولقد كانت تلك سيرة بلاد الشام منذ المناذرة والغساسنة.
مثل صرب البوسنة، وكذلك أكراد العراق وسنّته، وكذلك الفسيفساء اللبنانية، لن يتمكن الدخلاء من دمج المكونات في الدولة الوطنية بالزور! ولن يمكن الآن تأسيس دولة ولا استتباب سلم اهلي حقيقي من دون إخماد الشطحات العقائدية والإمبراطورية التي تروّج لمصالح الدخلاء ولغلبة هذا المكون او ذاك، بالقدر ذاته الذي لا يفيد الآن أياً من مكونات البوسنة، إلقاء اللوم على أوروبا او روسيا او تركيا او الولايات المتحدة. فهم يدفعون الثمن كبوسنيين، أولاً وأخيراً، واللوم، إن كان ثمة لوم، فسيكون على غياب توافقاتهم التي تردع الدخلاء.
حتى بعد استقلالها، كان من الواضح انّ البوسنة ستبقى دولة فاشلة، إذ يستمر البوسنيون الأرثوذوكس الصرب في الاعتقاد والعمل من منطق انّ ثمة مؤامرة كبرى عليهم من الغرب الكاثوليكي المتحالف مع تركيا، لطمس الإرث الأرثوذوكسي السلافي العظيم في أوروبا. ويعتقد كثير من الكرواتيين الكاثوليك انّ الأرثوذوكسية السلافية، والمسلمين من الاتراك، يحاولون طمس هويتهم. لذلك نجدهم يتعاطفون تاريخياً مع أوروبا الغربية وألمانيا بخاصة. أما المسلمون الذين جاءوا مع انتصارات تركيا في أوروبا في القرن السابع عشر، فهم يقولون انّ أوروبا الغربية وروسيا تتآمران عليهم لمنعهم من حكم البلاد وهم الأكثرية.
وإذ يرجّح هذا المنطق مصالح الدخلاء على حساب المصالحة والمقاربة الديموقراطية التوافقية بين البوسنيين أنفسهم، يتفاقم التوتر في البوسنة الآن على وقع انهيار توافقات السلم الأوروبي.
وبالنسبة إلينا في سوريا، ورغم الصحة المطلقة للمظلوميات التي جرّها الدخلاء علينا، لا تقدّم الإدانة واللوم في تغيير واقعنا ولا تؤخّر. فأنت لا تختار جيرانك، بل سيكون من السذاجة ان نختار أياً من الدخلاء تكون مصالحه أنسب لنا، اللهم الاّ إن بقينا نستقوي، لنغلب.
في الدكتاتوريات، سواءً منها دكتاتورية الأكثرية ام دكتاتورية الأقلية، تبقى التناقضات مدفونة كقنابل موقوتة لتنفجر بأشكال مختلفة عند أقرب منعطف. وهذا شأن إيران والعراق وسوريا وميانمار والسودان وأثيوبيا ونيجيريا وروسيا الخ، الخ.. السلم الأهلي الملغوم هو وصفة لصراع خلاسي دائم واستدعاء مستمر لتدخّل الغرباء.
في بريطانيا وألمانيا، حيثما نجحت الحلول في خلق دولة-أمة توافقية، تمثلت الوطنية في تكريس هذه التوافقات وتوليد الوحدة الوطنية من رحمها، عبر صفقة تاريخية ترعاها وتضحّي من أجلها "الأكثرية" بالكثير من الميزات وذلك "بحكم أكثريتها" وفي سبيل صيانة وحدة البلاد.
وبعد، نجد انّ فرنسا، الدولة المركزية بالفطرة والامتياز، فإنّها هي الدولة التي أورثت سوريا عقلية الدولة المركزية وبنيتها كنموذج للدولة، وتبعها بعد ذلك الاتحاد السوفياتي. لكن، بعد ديغول بدأ الإصلاح الإداري، ثم أدّت المفاوضات الى تلافي استقلال كورسيكا، وحفاظاً على وحدة فرنسا وتجنّباً لحرب أهلية تنهك شعبها واقتصادها، اضطرت، فرنسا لعقد صفقة مع كورسيكا. فماذا نعرف عن هذه الصفقة؟ لقد منحت السلطة المحلية في كورسيكا صلاحيات خاصة تكاد تجعل منها دولة مستقلة.
ثم ماذا نعرف عن صفقات الناطقين بالفرنسية مع الناطقين بالإنكليزية في كندا؟ ماذا نعرف عن دور إمارة أبو ظبي في صيانة وحدة الإتحاد، وتحصينه من التدخّلات. وماذا عن دور كاليفورنيا ونيويورك في استمرار اتحاد الولايات. وكذا الأمر في الهند، وماذا نعرف عن مقاطعة الباسك التي تمرّدت طويلاً ثم أُعطيت سلطات مماثلة أكثر تفرّداً حتى من كورسيكا، بل ومُنحت صلاحيات إصدار عملة خاصة، بعكس إسبانيا ذاتها التي تخضع لعملة الإتحاد الأوروبي.
ثم لا ننسى المملكة البريطانية التي، رغم ديموقراطيتها، أنّها مملكة متّحدة!! وهي لا تعتمد فرض رأي أكثرية المكون الإنكليزي على باقي المكونات. ماذا نعرف عن الصفقات التاريخية، بل الصفقات اليومية التي لا تزال قيد العمل والتي ترعاها الأكثرية من الإنكليز من اجل الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة؟ لقد اعتَدّ الإنكليز طويلاً بالإمبراطورية وبموقعهم في التحالف الغربي، لكن في لحظة معينة اكتشفوا أنّ درء حرب أهلية أخرى تدمّر بريطانيا، لم يعد ممكناً من دون الاستجابة لتطلعات الإيرلنديين، وانتهى الأمر بانفصال إيرلندا 1922 بدعم من بعض الدول الأوروبية. ثم انتهى أكثر، بسلم، كاد يفرضه كلينتون في إيرلندا الشمالية. واليوم يقدّم الإنكليز التنازلات طوعاً ويومياً للإبقاء على وحدة المملكة.
وبعد، فإنني ادّعي، انّه من دون إعادة فتح تفاوض كهذا وتوافق تعاقدي، لن يمكن الخروج من المستنقع الفاجع الراهن في سوريا. فمثلنا، مثل كل دول العالم، لن تكون ديموقراطية الصوت الواحد قادرة على خلق شرعية وتعافٍٍ مستدام.
يجب أن تتركّز المفاوضات حول هذه القضية الآن.
أقول الآن لأنّه، في ظل التحولات الكونية الجارية، تتفاقم مخاطر انفجار الصراعات الداخلية في كل الدول. ومن دون رعاية التوافقات الوطنية ستنفجر دول وأقاليم بأسرها، وستتشقق على خطوط صراعات مكوناتها. هذا امر حتمي نشاهده الآن وتلك بداية فحسب.
فما سبب صعود فكرة المصالحة في سوريا الآن؟
بالأصل، وبحجة إنكار الحاجة للمصالحة والتوافقات بين المكونات المجتمعية، تحتكر سلطات الأمر الواقع على مختلف تجلياتها مخارج الحل. فكيف يمكن كسر ارتهان السوريين لسلطات الأمر الواقع؟
في تاريخنا مثال مهمّ، صحيح انّه لم يكتمل، لكن فيه عبر كبيرة. انّها أمانة الآباء المؤسسين للوطن السوري الحديث. انّها التوافقات عام 1925 وعام 1936 الشفهية التي توصل لها الآباء الأوائل، حول شروط العيش المشترك، وحول تصوراتهم لمستقبل العلاقات بين المكونات في البلاد.
بذلك، فازوا بإنجازهم العظيم، وقطعوا الطريق على تقسيم سوريا، ليس على يد الفرنسيين فحسب، بل على العديد من الجهات الإقليمية والدولية التي عملت داخل سوريا من اجل التفرّد بمستقبل الدولة السورية. نعم عَوّل بعض السوريين في حينه على انتصارات موعودة لمكوناتهم، يجلبها لهم مناصروهم من الخارج. بل راهن الآباء المؤسسون العظام لسوريا الحديثة (وأغلبهم لا كانوا نخباً ثقافية، ولا حملوا الشهادات)، على شحذ هذه التوافقات، وفرضوا موضوعياً ورغم ضعفهم الشديد، على محتليهم التخلّي عن مشاريعهم.
فالتآمر سمة أصيلة ومؤسسة في العلاقات الدولية. وتطرح الآن قضية مستقبل سوريا في الكثير من الكواليس. في ظل التحول العاصف للظروف والوضع الجديد الناشئ حول سوريا.
نعلم الآن، أن لا حرب في سوريا لولا الدخلاء الخارجيون؛ لكن الأهم ان ندرك ان ليس ثمة سلام في سوريا ما لم يؤسس السوريون عقدهم الاجتماعي البديل، نموذجهم البديل للدولة.
ينبغي نسج هذه التوافقات "بقطبة ناعمة" يجمع عليها السوريون.
• ثمة العديد من الوقائع تشير الى ذلك، ولكل قوة دولية أسبابها. أولاً تسعى الدول الغربية لتجنّب الانجرار للصراع في الإقليم مباشرة بأي ثمن. الأمر الذي يطرح الحاجة لإغلاق الأزمات المؤجّلة.
• ثانياً تجد الدول الغربية انّه إذا استمرت حالة الصراع في سوريا، يمكن ان تصطدم مصالح الدول الغربية مع مصالح الدول والقوى الحليفة لها في الإقليم حول مآلات الحل في سوريا، كما هو الوضع الآن تجاه القضية الفلسطينية.
• ثالثاً، في ظل الصراع الدولي، وبخاصة بين الغرب وروسيا، ثمة مخاطر كبيرة من ان تعود سوريا مكسر عصا، وثقباً اسود في الصراع الدولي بين الكبار، الأمر الذي سيجرّ المنطقة بأسرها حتماً نحو حلقة مفرغة مستمرة ونحو المزيد من الفوضى.
لذلك، وكما في محاولات إغلاق غزة والبوسنة، ثمة محاولات للبحث في إغلاق الملف السوري بعفنه، او تبريده على الأقل، بغض النظر عن كيفية إنجاز ذلك.
وكما ناقشنا أعلاه، فإنّ حلاً خارجياً كهذا خطر للغاية. ولقد بدأت هذه القوى في سبر القابليات والحلول.
تطرح أوساط دولية، انّه بعد ما جرى، ثمة صعوبة كبيرة (وبعضهم يقول ثمة استحالة) في العيش المشترك. وبحسب هذا المنطق، لا يمكن ان تأمن المكونات بعد الآن لبعضها بعضاً، ولا ان تعيش بسلام ولا ان تتخلص من أمراء الحرب.
من جهة ثانية، تحاول أوساط دولية وإقليمية أخرى، اختبار احتمالات العيش المشترك والوصول الى توافقات مؤسسة لنموذج جديد للدولة. لكنهم لن يتدخّلوا من أجلنا، ما لم نجد نحن سبيلنا للتوافق.
اما نحن السوريين، فواقعون بدورنا بين موقفين ورؤيتين متناقضتين ووهميتين، تتصارعان وتتعايشان معاً، في كل نقاش بين السوريين، بل في عقل كل منا (وانا كذلك بالطبع).
الوهم الأول مبني على فكرة إمكان التحول السياسي في سوريا بمجرد بدء التغيير السياسي. تصير الأمور سمناً وعسلاً. ليس هذا الاّ وهم ساذج، بل ليس له سابقة في أي مكان في العالم قط. لم يحصل بعد أي حرب داخلية بهذا المستوى من الفظاعة، ان ذهب أمراء الحرب الى بيوتهم بمجرد التحول السياسي. بل أين هي بيوتهم؟ والأنكى انّه بفضل أمراء الأمر الواقع، وبفضل تآمر المتدخلين، تتفجّر الصراعات الآن وبشكل دوري، سواءً بين الأمراء الكبار أم الصغار في مناطق "الأمر الواقع"!
الوهم الثاني انّ ثمة طرفاً خارجياً "منصفاً" و"خيّراً" و"طيباً" يمكن ان يدبّر أمرنا ويعوّض غياب التفاهمات بين السوريين، لتولد بين عشية وضحاها ديموقراطية متوازنة.
لذلك لا يناقش الكثير من السوريين كيفية رأب الصدع في ما بينهم، بل يتركون هذه المهمّة لمتدخّل "منصف" و"طيب" يأتي من الخارج.
الحقيقة، وكما نتعلم من تجارب الآخرين، بل كما اختبرنا نحن طويلاً في سوريا، انّه لا يوجد طرف خارجي نزيه يعكس فعلاً مصالح التوافق السوري. بل لا يوجد إلاّ السوريون قادرين على ذلك.
فماذا يترتب على السوريين؟
استغرب انّ الحاجة للمصالحة والتوافقات لا تزال موضع هجوم وتشكيك عميقين. لا بأس في ذلك! ولكن علينا أن ندرك انّ قسماً مهماً من السوريين لا يقبل بشرعية تفرضها الغلبة من جهة، وفي المقابل أنّ قسماً كبيراً من السوريين، بمن فيهم قسم كبير مما يُعتبر أكثرية سورية، لن يقبل أيضاً شرعية تفرضها أكثرية الصوت الواحد او ديموقراطيته.
لذلك أدعو كل النخب السورية إلى الاتجاه نحو بناء هذه التفاهمات والتوافقات، لتعكس بشكل ملموس التوافقات المجتمعية السورية ذاتها وملامحها وشروطها وموازينها.
كيف سيتمّ ذلك؟
ما هي عناصر الديموقراطية التوافقية؟
ما هي الشروط الملموسة لكل من المكونات؟ وماذا يمكن ان يكون حلاً منصفاً متوازناً ومقبولاً؟ ما هو نموذج الدولة الناجعة التي تستتبعها؟ كيف يمكن تمكين المجتمع السوري في كل مناطق هيمنة أمراء الأمر الواقع، من استرجاع تضامنه، وصوغ رؤيته للمستقبل؟ وكيف يمكن تحييد أمراء الحرب ومن يعيشون حولهم من العقائديين ومَن يستفيدون من الأمر الواقع؟
نعرف انّه بسبب القتل او التهجير أو الخراب، استفحل التفكّك في بنية المجتمع السوري وتقاليده، صارت هذه المهمّة غاية في الصعوبة. لكنني اعتقد اننا ما زلنا كسوريين قادرين على إنتاج هذه التوافقات. وهذا هو الأمل الوحيد الذي يحمل أي معنى، خارج إرادات أمراء الحرب وخارج إرادة المتدخلين.
يجب البدء منذ الآن بإطلاق حوار مجتمعي لتحديد شروط دولة سورية جديدة ونموذجها تكون التوافقات لحمتها وتكون الديموقراطية التوافقية مداها، وإلاّ سيستمر الدخلاء النهش في لحمنا. وأي توافق سوري على شروط دولة ديموقراطية توافقية سيسقط في يد أمراء الحرب.
هل نحن قادرون على أن نتجاوز الغل والرغبة في الغلبة؟ هل ندرك حراجة اللحظة؟ هل نحن قادرون على القبول التاريخي بالآخر من طوائف وأعراق وقوميات أصيلة في الكيان السوري؟
فكيف يكون ردّ السوريين على هذا التحدّي؟ البديل سيكون فادحاً، فلقد صار حتى أفضل الدخلاء، يبحثون القبول بالأمر الواقع!
قد يبدو هذا التصور مثالياً، وكذا كانت تصورات الآباء الأوائل. قد أكون مخطئاً بالطبع، لكن، لنفتح باب الجدل بين السوريين حول شروط استعادة الوطن السوري وحدته.
بهذا القدر من التشاؤم، أتوجّه اليكم، ولعلي مخطئ.