النهار

أردوغان أمام منافسة إمام أوغلو وأربكان الابن
المصدر: "النهار"
أردوغان أمام منافسة إمام أوغلو وأربكان الابن
أتراك.
A+   A-
مهى سماره
 
مُنِيَ الرئيس رجب طيب أردوغان بأسوأ هزيمة في تاريخه السياسي الذي امتد على مدى 22 عاماً.
 
نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة أدّت إلى خسارة مروّعة لحزب العدالة والتنمية، الذي لم ينجح في أيّ بلدية كبيرة، بعكس حزب الشعب الجمهوري، الذي أسّسه كمال أتاتورك، واستطاع الفوز بـ35 بلدية، خصوصاً بلديات المدن الكبرى في إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا، التي كان قد فاز بها في 2019.
 
بالرغم من أن الانتخابات هذه محليّة الطابع، فقد حملت مفاجآت غير سارة للرئيس أردوغان، ممّا يعكس وجود تغيير وتطورات في المناخ السياسي والشعبي. بروز رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو (56 عاماً) كشخصيّة سياسية علمانية ووطنية مؤهلة لأن تكون الأوفر حظاً لمنافسة أردوغان في أيّ انتخابات رئاسية مقبلة. نجاحه للدورة الثانية في رئاسة بلدية إسطنبول فتح أمامه أبواب عديدة ليصبح المرشح الطبيعي لرئاسة حزب الشعب الجمهوري، وقائداً للمعارضة المؤلّفة من أحزاب علمانية وكردية وقومية.
 
إن انتخابات 31 آذار الفائت كانت أقرب إلى زلزال لحزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، الذي اعتبر الهزيمة "نقطة تحول" تحتّم عليه إجراء مراجعة وتقييم تتناول هيكلية الحزب التنظيمية والبشرية.
 
المفاجأة الأخرى التي قد تكون أشد إيلاما لأردوغان تمثّلت ببروز حزب الرفاه الجديد بقيادة الإعلامي فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، مؤسّس حزب الرفاه الأم، الذي انطلق من رحمه حزب العدالة والتنمية. أربكان الأب هو عرّاب الإسلام السياسي التركي، الذي تتلمذ أردوغان على يديه، قبل أن ينفصل عنه لاحقاً. بالرغم من حداثة نشأته، استطاع حزب الرفاه الجديد استقطاب العديد من المنشقّين عن حزب العدالة والتنمية إلى صفوفه، خاصّة في مناطق جنوب وشرق تركيا. نال الحزب في الانتخابات البلدية 6٪؜ من المقاعد، وفاز في بلديتين كبيرتين هما شانلي أورفا، وبوزغان، اللتان كانتا تقليدياً محسوبتين على حزب العدالة والتنمية.
 
خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي جرت في أيار 2023، تحالف الرفاه الجديد مع الرئيس أردوغان. الأمر اختلف الآن عندما رفض أربكان الشاب سحب مرشحه في إسطنبول لصالح مرشح أردوغان مراد كوروم. وضع أربكان ثلاثة شروط: إنهاء التعامل التجاري مع إسرائيل، إغلاق قاعدة كورجيك التابعة لحلف شمال الاطلسي وزيادة رواتب المتقاعدين.
 
وتحوّلت مسألة العلاقات التجارية مع إسرائيل وزيادة رواتب المتقاعدين إلى ورقتين في صميم المعركة الانتخابية. تداعيات حرب غزة وممارسة إسرائيل سياسة الإبادة والتجويع والقتل الجماعي للأطفال والنساء أثارت غضب الجماهير التركية التي نظّمت تظاهرات ضد إسرائيل وتأييداً للفلسطينيين.
 
الرفاه ليس الحزب الوحيد الذي يطالب بوقف التجارة مع إسرائيل. رئيس حزب الاستقلال محمد داوود أوغلو يطالب بوقف العلاقات التجارية مع إسرائيل، ويتهم حليفه ورئيسه السابق أردوغان "بالنفاق والفجور" السياسي، ويتهمه بأنه قطع وعداً لنتنياهو في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في إيلول الماضي بإبقاء العلاقات التجارية قائمة بين البلدين. وبالرغم من مطالبة أكثر من جهة بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، فمن الصعب أن يقدم أردوغان على خطوة من هذا النوع راهناً لاعتبارات سياسية واستراتيجية.
 
والملاحظ أن أردوغان بات يواجه العديد من الخصوم والمنافسين، الجدد والقدامى. يبقى لحزب الرفاه الجديد حسابات شخصية وسياسية خاصّة، خصوصاً أن الحزب ينبثق من جذور إسلامية، ويدعو إلى العثمانية الجديدة، الشعارات الحبيبة التي يرفعها أردوغان. علماً بأن فاتح أربكان يتمتع بتأييد حفيد السلطان عبد الحميد الثاني عبد الحميد خان.
 
كذلك، فمعظم الشخصيات والوزراء الذين تعاونوا سابقًا مع أردوغان انفصلوا عنه، وأسسوا أحزاباً مستقلّة عن العدالة والتنمية كداوود أوغلو، بابا جان، عبدالله غول... الجديد هو بروز شخصيات شابة، من أجيال صاعدة، تريد دخول المعترك السياسي، مثل أكرم إمام أوغلو، وفاتح أربكان المرشحين لمنافسة أردوغان.
 
ثمة أسباب وجيهة تتحكم بالمزاج السياسي التركي أهمّها الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، حيث بلغت نسبة التضخم نحو 70%. الاقتصاد هو العامل الحاسم والرئيسي في أيّ انتخابات، خصوصاً أن تركيا لم تتعافَ بعدُ من الزلزال الذي ضرب مناطق الجنوب والشرق، والذي أحدث دماراً واسعاً في الأرواح والممتلكات والقرى.
 
قد تكون غلطة أردوغان الكبرى أنه رشّح وزير البيئة والتخطيط السابق مراد كوروم لرئاسة بلدية إسطنبول عن حزب العدالة والتنمية، وهو الشخصية الباهتة، الذي أجبر أردوغان على الانخراط شخصيًا في إدارة حملته الانتخابية. توظيف أردوغان إمكانيات الدولة وطواقم الوزراء وكبار الموظفين في حملة الترويج والدعاية لكوروم أثارت الناخبين، بعد أن شوهد وزراء الدفاع والداخلية والخارجية ينزلون إلى الأسواق، ويحضرون مآدب الإفطار، لإقناع المواطنين بالتصويت لصالح كوروم. هذا التصرف يحدث لأوّل مرّة في تاريخ الانتخابات.
 
حماسة أردوغان جعلت معركة إسطنبول معركة شخصية وسياسية ضد أكرم إمام أوغلو. لم يفوّت أردوغان مناسبة وخطبة ومقابلة إلا وهاجم أوغلو، ابن بلدته طرابزون. تصرّف الرئيس كان منتقداً وينبع من أهداف سياسية وشخصيّة، معتبراً نجاح أوغلو في دورة ثانية يقضي على حلمه بتغيير الدستور والسماح له بالبقاء لولاية رابعة بعد 2028.
 
بتحويل أردوغان المعركة الانتخابية إلى معركة شخصية وسياسية بينه وبين أوغلو قسم الناخبين إلى فئتين: فئة معه وفئة ضده. أسلوبه وانتهازيته أدّيا إلى نتائج معكوسة جاءت لخدمة غريمه أوغلو، الذي استدرّ عطفاً وتقديراً كبيرين من الشعب.
 
بالمقابل، تصرّف أوغلو بعقلانية وذكاء فقاد حملته الانتخابية بنفسه متجوّلاً بين أحياء إسطنبول، مستمعًا لشكاوى الناس ومطالبهم، مركّزاً على الاقتصاد والخدمات وحريّة التعبير، بحضور حشود غفيرة من الشباب والفتيات وطلاب الجامعات والمثقفين ورجال الأعمال والنساء.
 
من المتوقع ان تؤدي نتائج الانتخابات هذه إلى تفاعلات وتغييرات بدأت تظهر في الشارع وتتناول جميع الأحزاب. حزب الجيّد، الذي ترأسه ميرال أكشنار، التي يطلق عليها لقب المرأة الحديدية، يطالب مناصروه بتنحية أكشنار واستبدالها بسبب الخسارة التي مُنِي بها الحزب.
 
كل الدلائل تشير إلى وجود تغييرات وتطورات ومستجدات في المناخ السياسي العام والتحالفات لدرجة أن أفكاراً تروّج على لسان قيادات حزبية وسياسية وإعلامية بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. حزب الرفاه الجديد طرح هذه الفكرة، واعتبرها أمراً لا مفرّ منه في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السائدة. طبيعي أن لا يشاطرهم أردوغان الدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد عشرة شهور على الانتخابات الأخيرة، التي جرت في أيار الماضي 2023، والتي ستبقيه في السلطة أربع سنوات أخرى حتى عام 2028.
 
الانتخابات البلدية حملت عدة رسائل وتحدّيات. خلطت الأوراق، غيّرت تحالفات، أفرزت قيادات جديدة في المعسكرين الإسلامي والعلماني. بروز أكرم إمام أوغلو وفاتح أربكان هما طليعة المتغيّرات المرشّحة للتنافس مع أردوغان أو مع بعضهما، تأكيداً للمقولة التركية التي تتردّد بأن من يفز بإسطنبول يحكم تركيا.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium