النهار

"نقطة انتهى".. سقوط الكبار
عابد فهد وندى ابو فرحات.
A+   A-
إيمان إبراهيم
 
يغيب الممثل السوري عابد فهد عن المنافسة في الموسم الرمضاني الحالي.
 
مسلسل "نقطة انتهى" بالكاد يُرى في كمّ المسلسلات المعروضة، لا ضجّة تثار، لا نقد، لا مشهد مثير للجدل، الانطلاقة فقط أثارت تساؤلات حول استنساخها أجواء "النار بالنار"، تبيّن لاحقاً أنّ هذا التشابه ليس سوى الطّعم الذي رماه مخرج المسلسلين محمد عبد العزيز للمشاهد، ولم يتمكّن لاحقاً من الإمساك به.
 
يمرّ بهدوء كأنّه لم يكن، ينقصه الأساس المتين، بني على أرض مهتزّة، كلما خفَتَ إيقاعه عاد وارتفع، تذبذب الإيقاع هذا مربك.
 
في أجواء "النار بالنار"، حيث الحارة القديمة، ويوميات السكّان، والمقاهي المنتشرة بين الأزقة، تدور أجواء "نقطة انتهى"، يوميات اللبنانيين مع النازحين السوريين أقحمت عنوة على قصّة تدور في مكانٍ آخر، وقصص الفساد السياسي مستهلكة وكليشيه.
 
يهوى الكتّاب السوريون الغوص في قصص الفساد السياسي في لبنان هذا الموسم "نقطة انتهى" لكاتبه فادي حسين، و"نظرة حب" لكاتبه رافي وهبي يمرّان بسطحية على قضايا الانتخابات والصراع بين الأطراف السياسية، في وقت تنأى الأعمال السورية بنفسها عن الخوض في شؤون السياسة المحليّة. كيف يدخل كاتب سوري في دهاليز الحياة اللبنانية، وإلى أي مدى يمكنه التقاط تفاصيلها؟ النتيجة تظهر على الشاشة، مشاهد هجينة لا لون لها ولا رائحة.
 
قصّة المسلسل ليست جديدة، عن الصيدلي المسالم فارس (عابد فهد) الذي يتورّط عن طريق الخطأ بقتل شقيق زوجته كرمى (ندى أبو فرحات)، يصطاده غزوان (أنس طيارة) بفيديو وهو يجرّ الجثة، ويصبح بعدها كرة تتبادلها الأرجل، تائهاً لا يدري في أيّ أرضٍ يحط، إلى أن يقرر على طريقة "عليَّ وعلى أعدائي" أن يقلب الطاولة على الجميع.
 
أنس طيارة
 
 
كان يتوقّع أن تبحث كرمى عن شقيقها، أوهمها زوجها أنّه سافر في مراكب الموت إلى أوروبا، سطا على هاتفه ليرد منه على الأخت القلقة، ويطمئنها. كانت ترسل إليه رسائل صوتية ويردّ عليها كتابة. لم تشكّ أنّ هذا الشقيق الذي لم تسمع صوته منذ مدّة ليس بخير.
 
أما عادل كرم الذي يلعب دور المحامي سامي، المرشّح إلى الانتخابات، فلا خطوط واضحة لشخصيته. هو المحامي والسياسي ورجل المافيا والحبيب السابق لكرمى، تسبّب بإصابة شقيقه بشللٍ في حادث لا يزال نقطة استفهام في عمل شارف على نهايته. تربطه علاقة مبهمة بزوجة شقيقه، لم تتّضح خيوط هذه العلاقة بعد. غموض ثقيل في مسلسل كل قصصه مكشوفة بما فيها الجريمة التي ارتُكبت في الحلقة الأولى.
 
ليس سامي وحده شخصية بلا ملامح، كل الشخصيات لا يُعرف عنها خلفية، من أين أتت، وكيف، وما الذي أودى بها إلى ما هي عليه. تعيش أحداثاً غير مترابطة، ردود أفعالها غير متوقعة، لا يصبّ هذا في خانة الابتكار وأنّ المسلسل قادر على إدهاش المشاهد، بل ثمّة فجوة أنّنا في الحلقات الأخيرة والشخصيات لا تزال غريبة، بعيدة، فاقدة للتعاطف ومصيرها بالكاد يعني أحداً.
 
وحده غزوان، شخصية ذات ماضٍ معروف، مجهول النسب، رمي على قارعة الطريق، نشأ في كنف عزام (خالد السيد) رجل المافيا، تعلّم منه الإجرام، فاقد للضمير، غير متعاطف، مشهد قتله والدة فارس (وفاء طربيه) على سرير المرض غير مبرّر.
 
أداء الممثلين تفاوت، بعضهم بقي على الهامش، عادل كرم بدور البطولة بالكاد لمع... ليس نفسه عادل الذي وصل إلى الأوسكار منافساً قبل سنوات.
شخصية سامي تبدو بدون ملامح. شخصية سطحية لا عمق لها.
مشهد تبلُّغه مقتل شقيقه، ثم إبلاغه الخبر لوالدته (منى كريم) أبرد من لوح الثلج، الأم والابن معاً قدّما أسوأ مشهد.
 
أما عابد فهد الذي يؤدي دور فارس، انغمس في جريمة رغماً عنه، حاول نفض يده منها فغرق أكثر في الوحل.
 
مرتبك، مشتّت، شارد الذهن، شخصية فارس ليست سهلة، أوقعت حتى عابد فهد في الدوران حول ذاته، لا تزال صدمة اللحظات الأولى بعد ارتكابه الجريمة لصيقة به، لم يتحرّر منها، لم ينتقل إلى رحلة النكران ثم تأنيب الضمير ثم محاولة التعايش مع جريمة، كانت مجرد نقطة الانطلاق لأحداث متشعّبة، بعدها بالكاد حاول أحد تقصّي مصير القتيل.
ندى أبو فرحات تغرّد خارج السّرب، حضورها لطيف، انفعالاتها مدروسة، لا تخيّب ندى الآمال أينما وجدت، كنا ننتظر أن تقلق أكثر لغياب شقيقها من الحلقات الأولى.. الخلل في السيناريو وليس في الممثلة.
 
"نقطة انتهى"
 
 
أنس طيارة بدور غزوان، يسجّل خطوة ناقصة بعد نجاحه الكبير في مسلسل "الزند"، كان أبرز اللامعين فيه، أما في "نقطة انتهى"، فدوره يُنسى ما إن تظهر شارة المسلسل في الحلقة الختامية. الخلل أيضاً في تركيبة الدور وليس في أنس المعجون بالموهبة.
الشخصية الأعمق في المسلسل ميرنا المير بدور لينا شقيقة فارس، ممثلة موهوبة، حضورها على الشاشة مريح، أداؤها مقنع، انفعالاتها مدروسة، حول مأساتها انطلقت قصص المسلسل، تشعّبت، تشتّتت إلا ميرنا بقيت صلبة.
 
أما تيم محمد عبد العزيز، ابن مخرج المسلسل، فيبدو حضوره لزوم ما لا يلزم، اخترع لازمة يكررها كما الببغاء، افتعال اللازمات لتسوّل الترند أبشع ما أنتجته سطوة مواقع التواصل الاجتماعي على الدراما. يملك هذا الشاب موهبةً ظهرت في بعض مشاهد "النار بالنار" بعيداً عن الحارة ودور صبي المقهى "الشوارعي"، فلماذا يصرّ والده على زجّه في نفس الإطار؟
كان يمكن للمسلسل أن يحلّق، أن يكون واحداً من أنجح المسلسلات بأسماء نجومه، معضلته التسلسل الدرامي غير المحبوك، تشتّت القصص وضياعها، جوّه القاتم، يدور في متاهة، غارقاً في عالم المافيات والمطاردات والقتل المجاني، ثمّ يطلّ عابد فهد وينتقد "ولاد بديعة" بسبب غرقه في العنف.

اقرأ في النهار Premium