لماذا نفضّل أن نتذكر بداية الحرب بدل أن نحتفل بنهايتها؟ سبق وطرحت هذا السؤال وأعود واطرحه مجددا. أجبت في حينه: "لا أعرف كيف تتعامل الشعوب الأخرى مع ذكرى حروبها، لكني اعتقد انها تحتفل بنهايتها.
شعبنا يحرص على تذكّر بداية الحرب في ١٣ نيسان، ويردد في كل سنة "تنذكر ولا تنعاد". لكنه بالمقابل لا يحتفل بنهاية الحرب التي يمكن تحديدها رسميا مع توقيع اتفاق الطائف. هل يتصرف شعبنا على هذا الشكل لأنه يعتقد أن الحرب لم تنتهِ بعد، وأن سلامنا كان استكمالا للحرب بطرق أخرى؟ الأخطر من كل ذلك، هل لا زالت الحرب تعيش في قلوب شعبنا؟
مهما كانت الأسباب، اعتقد بأنه حان الوقت للاحتفال بنهاية الحرب بدل تكرار تذكر بدايتها، فهذا لا يمنع من تذكّر ويلاتها وانتقاد ممارساتها، لكنه في الوقت نفسه إعتراف وإعلان جماعي بأن الحرب بيننا قد انتهت."
يأتي هذا السؤال هذه السنة مباشرة بعد اغتيال المسؤول القواتي باسكال سليمان في جبيل على يد عصابة من السوريين، وعودة الكلام بقوة عن مشاريع الفتن والحرب الاهلية، فضلاً عن الحرب بين لبنانيين وسوريين.
لكن في جنازة باسكال سليمان، وقبل يوم من ذكرى الحرب، أجمعت كلمات البطريرك الراعي والنائب زياد حوّاط والدكتور سمير جعجع، على رفض الانتقام وردود الفعل والتمسك بالسلم الأهلي. هذه المواقف الثلاثة تكاد تعلن مجتمعة في الظروف السياسية الحالية للاغتيال، أن ممثلين أساسيين للجماعة المسيحية في لبنان اختاروا السلام النهائي والمواجهة السلمية الديمقراطية.
البطريرك الراعي اعتبر مقتل سليمان فداءً، ودعا إلى المحبة والسلام والى انتخاب رئيس، كجواب دستوري على الفلتان الامني. حوّاط طالب بتحويل الفجيعة إلى طاقة إيجابية وبالتمسك بنموذج جبيل في التآخي والعيش المشترك. جعجع رفض أن يكون الجواب على الإغتيال ردة فعل نصحو بعدها على حرب وأكد العمل من اجل واقع جديد لا نحتاج فيه الى حروب جديدة، مؤكدا على المواجهة الديمقراطية مع السلطة الحالية.
رغم الحزن الشديد الذي خيّم على الجنازة، غير أن الكلمات الثلاث التي ألقيت، أعلنت صراحة ولو من طرف واحد، أن الحرب قد انتهت. بهذا المعنى، أرى في الجنازة احتفالاً بنهاية الحرب، نرجو أن يتبعه احتفالات أخرى علنية من فئات أخرى تؤكد على خيار السلم الأهلي مهما كانت الصعوبات والخلافات السياسية.