الأب الياس كرم
لم يكن يهوذا الخائن الوحيد الذي طعن بالسيّد، فسبحةُ الذين يخونون المسيح ما زالت مستمرّة إلى يومنا هذا.
الفرق أنّ يهوذا العبد الغاش، الذي أسلمَ المعلّم، بعد أن قُبض على الربّ يسوع، ندمَ، وبدأ يشعر بالذنب، وفي يأسه المتزايد "طرح الفضّة في الهيكل وانصرفَ، ثم مضى وخنق نفسه". حبُّه للفضّة ساقه إلى تسليم المعلّم، وهذا لدليل على أنّ المال إلهٌ بحدّ ذاته، قادرٌ أن يصيّر الإنسان مجرمًا بكل ما للكلمة من معنى، وقد سبق فحذّر يسوع منه.
إن خطيئة يهوذا لم تقتصر على عشقه وعبادته للمال، لكنه اقترف أفظع الخطايا على الإطلاق، إذ خان المسيح واختار بملء إرادته تسليمه مقابل ثلاثين من الفضة. علمًا أنّ الربّ لم يستثنه في ليلة العشاء الأخير، بل غسل رجلَيْه بمحبّة كسائر تلاميذه.
الخيانة تأتيك من أقرب المقرّبين. توفّرت ليهوذا فرصٌ عدّة للتوبة والتراجع، ففي ليلة العشاء الأخير، قال الربّ موبّخًا ضميره: "لستم كلّكم طاهرين" (يوحنا ١٣: ١١)، لكنّه أصرّ على الخيانة. وعندما ندم لاحقًا وشعر بالذنب، عوَض أن يتوب ويرجع عن خطيئته ذهب "وخنق نفسه" (متى ٢٧: ٥).
يهوذا ليس وحده الخائن. في كل زمان ومكان، هناك ضمائر ميتة ترتكب الخطايا، وما زال عالمنا اليوم يشهد خيانات كثيرة من أجل المال والسلطة؛ "صديق يخون صديقه، عامل يسرق صاحب العمل، أراضٍ تُسلب من أصحابها، أوطانٌ تُدَمَّر، ناهيكم عن الخيانات الزوجية...".
يهوذا ليس وحده الخائن. هناك بحرٌ من اليهوذيين يسرحون ويمرحون بيننا، وقد نكون من بينهم حينما نسلّم أنفسنا للشّرير.
يهوذا ليس وحده الخائن. في لبنان آلاف كيهوذا ممّن دخل الشيطان في فكرهم وعقلهم وقلبهم، وباعوا القضايا الوطنية لأسيادهم في هذا العالم، من أجل أن يبقوا متربّعين على عرش السلطة.
الخونة، الكذّابون، السارقون، الناهبون، الفاسدون...، مصيرهم كمصير يهوذا. حبّ المال قد يقودنا إلى خيانة المسيح، فنسلك طريقاً ملتوية بعيدة عن الفضائل التي من المفترض أن نتحلّى بها.
يهوذا ليس وحده الخائن. خيانة المسيح لا تقتصر على عبادة المال، بل تتعدّاها إلى ملذّات الجسد وملذّات النفس، والسقوط في خطايا الكسل، والسلوك المؤذي، وحبّ السلطة، والكلام غير اللائق، والتكابر، والحقد، والعدائية....
يهوذا ليس وحده الخائن. لكنّ أبواب التوبة ما زالت مفتوحة على مصراعيها، ولص اليمين "سرق" الفردوس بتوبته على الصليب.
فلنتأمّل في مسيرتنا إلى آلام الربّ، ولنضع خيانة يهوذا نصب أعيننا، علّنا نتّقي ونتعظ، ونقرّر في أي مقلب نكون. كلّ مسيحي لا يسلك مسلكًا يليق بالله، لن يستطيع أن يعاين نور القيامة داخله. سيبقى متلهيًّا بالطقوس بدل أن يترك الطقوس تغوص فيه لترفعه إلى مائدة الفصح.