إبراهيم الغريب
تتكشف يومياً حقائق جديدة في قضية الاغتصاب والتحرش بالأطفال، التي عُرفت بقضية التيكتوكرز، وآخرها قرار نقابة المحامين في طرابلس والشمال، الذي قضى برفع الحصانة عن خالد مرعب بصفته مطلوباً للتحقيق الأوليّ في مكتب جرائم المعلوماتية، بتُهم ذات صلة بالعصابة.
يتحدث "علي" (اسم مستعار) لـ"النهار" عن تعرّضه للتحرّش على يد خالد مرعب قائلاً: "قصّتي بدأت مع خالد مرعب منذ أكثر من ١٥ عاماً، وكان عمري حينها نحو ١٦ عاماً، وكنت قد أسّست مع صديق لي فرقة فنيّة تُقدّم نوعاً من الفنّ، وتعرّفنا إلى مرعب في أحد شوارع طرابلس. يومها، وعدنا بأنّه سيقوم بدعمنا وإيصالنا إلى وسائل الإعلام بحكم علاقاته القويّة، وهكذا فعل. اتصل بي بعد مدّة، وأخبرني بأننا سنظهر على أحد أهم البرامج التلفزيونية في ذلك الوقت، وطلب إليّ أن آتي إليه في فندق كان يقيم فيه، في منطقة مار مخايل، في بيروت، لأعطيه قرص "سي دي" يضمّ بعض أعمال الفرقة لعرضها ضمن البرنامج. انطلقت من طرابلس إلى بيروت من دون إخبار أحد، وطرقت باب الفندق، ففتح لي الباب وهو يرتدي ملابسه الداخلية.
وخلال الحديث بيننا، بدأ يقترب مني شيئاً فشيئاً، ثمّ مدّ يده إلى عضوي الذكري، وبدأ يسألني إذا ما مدّ أحدٌ يده إلى عضوي من قبل، فقمت بصدّه، ثمّ قام بتشغيل فيلم إباحيّ، فخرجت مسرعاً من الباب، لكنه وقف في الباب، وقال لي: "ما بتعطيني بوسة قبل ما تروح؟"، فهدّدته بأنني سأقوم بفضحه، فقال لي بالحرف "بتعضّني من... أنا محامٍ".
تجرّأ "علي" على الكلام اليوم بعد مرور كلّ هذه المدة، إذ كان طوال الوقت يخاف من الوصم الذي قد يلاحقه ويلاحق عائلته المحافظة حين كان طفلاً؛ وهذا ما قالته الأمم المتحدة، إذ أشارت إلى أن الصمت والوصم "يحيطان بالعنف الجنسيّ ضد الأطفال، بالاستناد إلى الأعراف الاجتماعية الضارّة وعدم المساواة بين الجنسين. ونتيجة لذلك، لا يفصح الكثير من الضحايا عن تجاربهم أو لا يلتمسون المساعدة. ومردّ ذلك إلى أسباب شتّى، لكنها يمكن أن تشمل الخوف من الانتقام، والتجريم، والشعور بالذنب، والشعور بالعار، والارتباك، وانعدام الثقة في القدرات أو عدم استعداد الآخرين للمساعدة، والافتقار إلى المعرفة بما يكون متاحاً من خدمات الدعم".
جمعية "حماية" المعنيّة برصد العنف ضد الأطفال، كانت قد سجّلت عام 2022 نحو 2412 حالة عنف ضد الأطفال، 12 في المئة منها كانت تحرّشاً جنسيّاً، و21 في المئة اعتداءات جسديّة، والنسبة ذاتها لمشاكل معنويّة ونفسيّة، في حين عانى 54 في المئة من الإهمال.
كذلك تبيّن أن العنف طاول 54 في المئة من الذكور، و46 في المئة من الإناث، تتراوح أعمارهم ما بين الـ5 سنوات والـ18 سنة. وخلال الشهور الأربعة الأولى من هذا العام، سجّلت 856 حالة عنف.
قضية عصابة "التيكتوكرز" ليست الأولى في لبنان، فقد ضجّ الرأي العام اللبناني في صيف العام الماضي بقضية الطفلة لين طالب، التي تعرّضت للاغتصاب على يد خالها، ممّا دفع أمها وجدّيها إلى التستر عليه، وأدّى ذلك إلى مقتلها نتيجة النزيف الحادّ الذي أصيبت به.
وفي أيار الماضي من العام ٢٠٢٣ ضجّت البلاد بقضيّة اغتصاب طفل في السابعة من عمره، في أحد ملاعب العاصمة بيروت على يد حارس الملعب.
وفي تموز 2022، أثيرت قضية مماثلة في بلدة القاع اللبنانية، حيث أقدم عسكريّ متقاعد على ارتكاب سلسلة اعتداءات جنسية بحق أطفال من البلدة.
قصة عصابة "التيكتوكرز" تعيد طرح قضية العنف المتصاعد ضد الأطفال في لبنان إلى الواجهة. وقد أفاد تقرير لـ"اليونيسيف"، صدر عام 2021، بأن طفلاً من بين كل طفلين في لبنان معرض لخطر العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي، فيما تكافح الأسر لمواجهة الأزمة المتفاقمة في البلاد.
وبحسب "اليونيسيف"، فإن ما يقرب من 1.8 مليون طفل، أي أكثر من 80 في المئة من الأطفال في لبنان، يعانون الآن من فقر متعدّد الأبعاد، بعدما كان العدد يناهر الـ900000 طفل في عام 2019؛ وهم يواجهون خطر تعرّضهم للانتهاكات.
ويبيّن التقرير أن عدد حالات الاعتداء على الأطفال والحالات التي تعاملت معها اليونيسيف وشركاؤها، ارتفع بنحو النصف تقريباً (44 في المئة) بين تشرين الأول 2020 وتشرين الأول 2021. وفي الأرقام ارتفعت تلك الاعتداءات من 3913 حالة إلى 5621 حالة.
وعن وقع الاعتداء الجنسي نفسيّاً على الطفل في المستقبل، تتحدّث الاختصاصية الاجتماعية والخبيرة في الحماية الأسرية "رنا غنوي" لـ"النهار" قائلة: "من وجهة نظر نفسيّة واجتماعيّة قد يختلف وقع الاعتداء الجنسي على الأشخاص القاصرين بحسب أعمارهم، إن كانوا ما دون سن البلوغ، لأنه في هذه المرحلة تكون هوية الطفل الجنسيّة غير مكتملة، وبالتالي يرى الاعتداء الجنسي عليه اعتداءً على خصوصيّته معنوياً وجسدياَ.
أما في مرحلة ما بعد سنّ البلوغ فتكون الهوية الجنسية عند الطفل قد اكتملت، وقد يحصل للمعتدى عليهم تغيّر في مفهوم الوصول إلى اللذة، وتغيّر في مفهوم العلاقات الاجتماعية ككلّ.
بعد الاعتداء، وفي حال لم يتعافَ الأطفال بشكل سليمٍ يؤكّدُه المعالجُ النفسي، فإنهم قد يشعرون طوال حياتهم باجترار الصدمة، لأن المكبوت لا يموت وفقاً لفرويد".