إيمان درنيقة الكمالي
أستاذة جامعيّة - باحثة سياسيّة
في خضمّ صراعٍ استراتيجيٍّ متنامٍ بين الولايات المتحدة والصين، تبرز حرب الرقائق الإلكترونية ساحةٍ جديدةٍ تُظهر إرادة الصين وإصرارها على التحدّي والصمود.
ففي الوقت الذي تُحاول فيه الولايات المتحدة عرقلة التقدّم الاقتصادي والتكنولوجي للصين من خلال فرض عقوباتٍ صارمةٍ عليها، معتبرة أنّها بذلك تقوم بحماية أمنها القومي، تُثبت الصين قدرتها على التكيّف والابتكار، وتواصل إبهار العالم من طريق إنجاز رائد لشركة هواوي بتصنيع معالجٍ بسبعة نانومترات، متخطّيةً بذلك توقعات الجميع ومشكّكةً في جدوى العقوبات الأميركية.
في عام 2019، فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوباتٍ قاسيةً على شركة هواوي الصينية العملاقة، التي كانت تسبق العالم بأميال في مجال التكنولوجيا.
هذه العقوبات أدّت إلى منع هواوي من تصنيع المعالجات 7 نانومترات والأجيال الأحدث التي تستخدم في الهواتف ذات امكانية الـ 5G او شرائها.
والمعروف ان الصين لا تستطيع تصنيع معالج 7 نانومترات لأن ذلك يحتاج الى ماكينات وآلات الطباعة الحجرية التي تستخدم الاشعة ما فوق البنفسجية المتطرّفة Extreme Ultra Violet ( EUV)، في حين أنّ الالات التي تمتلكها الصين تستخدم الأشعة فوق البنفسجية العميقة
Deep Ultra Violet (DUV).
لذا، فقد سددت الولايات المتحدة ضربات قاتلة الى الشركة الصينية من طريق منع شركة ASML الهولندية، وهي الشركة الوحيدة التي تصنّع الآلات التي تستخدم الـ(EUV)، من بيعها للصين.
وعلى رغم الضغوط الأميركية التي اعتبرت الصين أنّها تنتهك قواعد المنافسة العادلة، فقد استطاعت هذه الاخيرة أن تقفز فوق المعوقات، وفاجأت العالم في آب 2023، عندما كشفت عن هاتفها الجديد الذي كان بمثابة "صاعقة" على اميركا، وذلك لأنهه يحتوي على معالج 7 نانومترات، وبامكانات توازي امكانات هواتف الـ 5G.
فكيف تمكنت الصين من تطوير معالجاتٍ متطورةٍ بآلاتٍ قديمةٍ؟
أكّدت شركة بلومبرغ التي تعاقدت مع شركة techinsights لتفكيك الهاتف الصيني، أن شركة SMIC الصينية، تمكنت من انتاج الشرائح بحجم سبعة نانومترات من طريق تعديل أجهزة DUV البسيطة التي لايزال بإمكانها شراؤها بحرية من ASML.
والأكثر من هذا، أنّ الصين استطاعت في خلال الأسابيع الستة الأولى لاطلاق هذا الهاتف، أن تبيع 1.6 مليون هاتف، في حين تعثرت شركة Apple الاميركية عن منافستها، اذ أظهرت الاحصاءات انه في الربع الأول من سنة 2024 انخفضت حصة Apple إلى 15.7% بعد أن كانت 20% في الرّبع الأول من سنة 2023، بينما ارتفعت حصة هواوي إلى 15,5% بعد أن كانت 9.3% في السنة الماضية، مما يُؤكّد أنّ العقوبات الأميركية لم تفلح في تحقيق هدفها.
والجدير بالذكر أنّ شركة Huawei مستمرّة في طريقها للانفراد بالصدارة واستعادة مجدها المسلوب، بعد أن أنتجت سلسلة من الهواتف الذكية Pura 70، و 70 Pro، و+Pro 70، و70 Ultra.
وعلى رغم زيادة تكلفة تصنيع الرقائق بالنسبة الى الصين، فإن اصرارها على تخطي القيود الأميركية وكسر الحصار الشديد المفروض على قطاع التكنولوجيا الصيني كان الحلقة الأقوى.
مرة أخرى، تثبت الصين قوتها وقدرتها على التحدي في حرب الرقائق الإلكترونية، لتؤكد للعالم أنّ "الحاجة أمّ الابتكار"، ولتعطي الدول الأخرى درسا في الإرادة والثبات والاصرار والتحدي.
لقد برهن التنين الصيني أنه لا يعرف اليأس، وانه بإصراره وعزيمته يصنع المعجزات. ويبقى السؤال، اذا وصلت الصين الى حالة الاكتفاء الذاتي في تصنيع الرقائق، فكيف ستتلقف الولايات المتحدة ذلك؟ وهل ستتمكن الصين على الدوام من تطوير تقنياتٍ جديدةٍ تُمكّنها من التغلب على العقوبات الاميركية؟