النهار

صديقي جون ب. فينش
مسرحية مجدي معوض.
A+   A-
 محمد حرب
 
 
(كتبتُ هذه المقالة منذ ثلاثة أسابيع، وعجزت عن نشرها آنذاك لأسبابٍ شخصية)
 
مشهدنا الحالي لا يوصف إلا بالمرعب. منذ شهر أو أكثر، ألغى مسرح مونو عرضًا كان مقررًا لمسرحية لمجدي معوض بعدما تقدمت "هيئة شؤون الأسرى" بطلب من النيابة العسكرية فتح تحقيق جنائي ضد معوّض، وبعد تعرّض ممثلي المسرحية لمضايقات على هواتفهم/ن الخاصة.
 
تسلمت الكوميدية شادن الفقيه ثلاث دعاوى قضائية مرفوعة عليها من دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والنائب عماد الحوت، بتهمة "التعرض للذات الإلهية"، وصدر في حقها منعٌ للسفر.
 
لكي لا ننسى، منذ سنة تقريبًا وقفت بلدية صيدا مع متزمتين قرروا التعرض لسيدة وزوجها من أُسر صيدا، لكونها كانت ترتدي البكيني على شاطئ صيدا العمومي، واعتدى جنود الرب على بار "مدام أوم" في مار مخايل لكونه كان يعرض عرضًا للدراغ.
 
أنا على ثقة بأن هذه الاعتداءات جميعها هي إرهاصات نظام يتداعى، وفي المدى المتوسط والبعيد، أنا على يقين أن سقف الحريات العامة سوف يعود إلى الارتفاع، لكنني قلقٌ على المشهد إلى ذلك الحين.
 
فضلًا عن ذلك، ثمة ملاحظتان يجب علي تسطيرهما: الأولى، أن الكثير من التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي تناصر هذه الاعتداءات، متحججةً بمقولة لجون ب. فينش (ويعزوها أغلبنا مخطئين إلى جان جاك روسو): "حرية الفرد تقف عند حرية الآخر"، والثانية، هي أن جميع الاعتداءات هذه تبرر نفسها بأنها تقوم بما تقوم به تبعًا للتعاليم الدينية، وصونًا لكلام الرب، وفي حال شادن، دفاعًا عن "الذات الإلهية".
 
قي ما يختص بصديقي العزيز جون ب. فينش، أعتقد أنه من الضروري أن نوضح مفهوم الحرية لديه بعض الشيء، مرةً ولكل المرات، ومنعًا للمزيد من التعهير المفاهيمي.
 
أن نرى، أو أن لا نرى سيدةً ترتدي البيكيني على الشاطئ، ليست مسألة حرية. تصبح مسألة حرية إذا ما قررنا نحن لابسو البيكيني أن نفرضه عليكم/ن. من هنا، نحن مَن تُنتهك حريته، بالمنع الذي فرضتموه للبيكيني علينا في شاطئ هو لكل اللبنانيات واللبنانيين، لا أنتم/ن.
 
أن تكون، أو أن لا تكون في بيروت عروض للدراغ، ليست مسألة حرية. تصبح مسألة حرية إذا ما قررنا نحن مشاهدو عروض الدراغ أن نلزمكم/ن مشاهدتها. من هنا، نحن مَن انتُهكت حريته في تلك الليلة المشؤومة، وبتواطؤ مع القوى الأمنية التي استنجدت بها إدارة البار، فوقفت متفرجة على رؤوسها الطير ؛ ونحن مَن تُنتهك حريته في كل مرة نجد أنفسنا نفكر مرتين قبل تنظيم أو مشاهدة عرض للدراغ، لا أنتم/ن.
 
أعتقد أنكم/ن قد فهمتم مقصدي، ولذا، سوف أعفيكم/ن من إعادة المحاججة إياها على مثالَي المسرحية الملغاة والمؤدية الكوميدية التي أصبحت ملاحقة قضائيًا.
 
في ما يتعلق بـ"الذات الإلهية"، فلنتفق جميعًا أن الله لم يوكل أحدًا بالدفاع عنه، ولا النطق باسمه، ولنتفق أننا جميعًا سواسية أمام الله. مثلما نأت المؤسستان الإسلاميتان بنفسيهما عندما أغلقت مصارفنا أبوابها في خريف 2019، حاجرةً على جنى عمرنا، وعندما انفجر مرفأ بيروت في صيف 2020، مزهقًا حياة ما يفوق المئتي إنسان، حري بهما أن تنأيا بنفسيهما الآن؛ ذلك أنني على يقين أن الذات الإلهية قد تمت إهانتها أضعاف المرات آنذاك، من مؤدية كوميدية تتطرق الى الذات الإلهية بأي طريقةٍ كانت.
 
في جمهورية الله، ليس من مواطنين درجة أولى ودرجة ثانية، ليس من راشدين وقُصَّر. نعرف ديننا جيدًا، ونعرف ربنا جيدًا، ولذلك تحديدًا – لا رغم ذلك – نرفض أن تُمارَس الوصاية علينا بأي ذريعةٍ كانت؛ وفي هذا السياق، أستشهد بالإعلامية سحر الخطيب عندما قالت غداة 7 أيار 2008، "بكل جسم الإنسان، شيئان فقط لا يُلمسان: الروح والصوت، وهذا لحكمةٍ من حِكَم الله".
 
صون الحرية هو واجبٌ ديني، لكنه في لبنان واجبٌ وطني بالمقام الأول. صحيحٌ أن عضوية علاقة لبنان بالحرية هي كليشيه، لكن الكليشيهات لا تأتي من فراغ.
 
نحن شعبٌ يثور مرة كل خمس سنوات،
وينتحر رجاله كاتبين، "لبنان سيد حر مستقل"،
دحرنا ثلاثة جيوش أجنبية من أراضينا،
وفي زمن الردة على الحرية نقف بعدّنا وعديدنا، صحافيين/ات وكتّابا ومؤدين/ات وممثلين/ن ومؤثرين/ات وناشطين/ات وأكاديميين/ات ومعارضين سياسيين/ات، وسوف يسقط لنا ضحايا مثلما دأبنا منذ ما قبل الاستقلال، وسوف ننتصر، ولن يكون من جديدٍ تحت الشمس.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium