انشغل الرأي العام الأسبوع الفائت بتصريح للنائب محمد رعد انتقد فيه الذين يذهبون إلى الملاهي وإلى البحر، وتناولت الردود "تزمّت" النائب. في مقالي هذا عودة إلى هذا التصريح وإلى تصريح آخر متزامن، لكن من زاوية أخرى، أكثر خطرًا على وحدة البلاد وسلامة المواطنين.
ففي تصريحين متتالىين، أفصح النائب محمد رعد، رئيس كتلة نوّاب "حزب الله"، عن نظرته إلى "المواطن الآخر" أي الذي لا يشارك "حزب الله" آراءه ومواقفه. ويمكن من دون حاجة إلى استطلاعات رأي، يمكن القول إن هذا "المواطن الآخر" بات يمثّل معظم اللبنانيين.
في أحد التصريحين اتّهم محمد رعد "بعض النزقين من اللبنانيين الذين يريدون أن يرتاحوا، وأن يذهبوا إلى الملاهي والبحار، ويريدون أن يعيشوا حياتهم" بأنهم وراء "هذه الشحنات والجرعات من الأكاذيب والتلفيقات والشائعات التي تمتلىء بها وسائل التواصل الاجتماعي. .... من سحب سفراء، والتهديد بوجود تحضيرات للاعتداء على مطار بيروت".
كيف تحرّى محمد رعد عن مصادر الشائعات؟ ولماذا اتهم الذين "يريدون أن يعيشوا حياتهم" بالترويج لها؟ ولماذا وصفهم بالنزقين؟ فالنزق هو من كان "حادّ الطبع، سريع الغضب، أحمق"، وهو المتسرّع الذي يطلق كلامه بعجلة؟ فمن هو النزق في هذه الحالة، ومن هو الذي يبدو حادّ الطبع وسريع الغضب ويتسرّع في إطلاق التّهم؟
يعاني هؤلاء "النزقين" بالنسبة إلى رعد من "الفرديّة القاتلة والنفعية الأنانيّة التي تدمّر معالم الأوطان والمجتمعات"، ذلك أنهم يصرّون على عيش حياتهم الطبيعية رغم الحرب في الجنوب. هذه "الفرديّة والأنانيّة" هي التي تدمّر الأوطان، بالنسبة إلى رعد، وليس الحرب التي تقوم أساساً على فعل التدمير! أليس من يجب أن يُدان هو أنانيّة وفرديّة حزب اتّخذ قرار الحرب من دون العودة إلى الذين "يريدون عيش حياتهم"، من خلال التدمير الفعلي الذي يلحق بالوطن والمجتمع؟
موقف رئيس كتلة نيابيّة من المواطنين لا يقارن بموقف مواطن حزبيّ أو مواطن عادي. فالنائب حسب الدستور، هو ممثّل الأمة أي جميع المواطنين، وليس فقط الذين انتخبوه، وموقفه من بعضهم، خاصة إذا شكّلوا الأكثريّة الشعبيّة، يكاد يكون موقفه من الأمة جمعاء.
لماذا استسهل النائب رعد اتّهام الذين "يذهبون إلى الملاهي وإلى شواطىء البحار" بترويج هذا النوع من الشائعات عن الحرب، من دون أن يكون لديه دلائل؟ لماذا استصوب هذه الفئة تحديداً، التي هي فئة شعبيّة واسعة من كافة المذاهب، تضمّ قسماً كبيراً من اللبنانيين؟
ليست المرّة الأولى التي يوجّه النائب رعد حقده على هذه الفئة، ولا علاقة مباشرة بما قاله، من أنها تفعل ما تفعل في ظروف الحرب. فهذه الفئة، التي تسبح أو ترقص أو تغنّي، محتقرة أساساً منه ومن حزبه بشكل عام، وبالتالي يسهّل التصويب عليها أمام بيئته، وإلصاق التهم بها من دون حاجة إلى دلائل.
وموقفه من هذه الفئة هو موقف من نمط عيش "المواطن الآخر" الذي يعارض سياسات "حزب الله" أو لا يؤيّدها. يتوضّح موقف النائب رعد أكثر من هذا "المواطن الآخر" عندما نتفحّص بدقّة تصريحه الثاني.
يصرّح نائب الأمة: "أقول لمن يتنطّح على بعض وسائل التواصل الاجتماعي من بعض أبناء بلدنا، للأسف أننا ندافع عن إنسانيتكم وندافع عن وطننا الذي يحتضنكم، وندافع عن مناطقنا ومناطقكم، وندافع ضد عدّو يريد أن يفترسنا ويفترسكم، سواء تعقّلتم ذلك أو لم تصلوا إلى مستوى أن تتعقّلوا. ونحن لا نريد منكم لا تبرّعات ولا معنويّات ولا مساعدات إعادة إعمار، فنحن أكرم من أن نمدّ أيدينا إلى اللئام. ونحن على يقين أننا ننصر الله، والله ناصرنا. لا تمنّوا بأنكم تقبلون العيش معنا، نحن الذين نصبر عليكم، نريدكم أن ترتقوا إلى مصافي الناس والشرفاء".
تخال النائب رعد يخاطب أعداء لا أبناء وطن واحد، وهؤلاء هم الأكثريّة الساحقة من اللبنانيين الذين لا يريدون أن ينخرط "حزب الله" في الحرب، فيأسف أنه يدافع عن "إنسانيتهم" التي كان قد شكّك بها في مقطع سابق، كما شكّك بقدرتهم على "التعقّل"، ووصفهم بــ"اللئام"، وتمنّى أن "يرتقوا إلى مصافي الناس والشرفاء".
"المواطن الآخر"، في نظر رئيس الكتلة النيابية لـ"حزب الله"، هو قاصر إذن، إنسانيّاً وعقليّاً وأخلاقيّاً. من خصال المستبدّين أن يحقّروا الذين يمارسون عليهم استبدادهم، حتى يبرّروا لأنفسهم ممارسة هذا الاستبداد. وبدل أن يعترفوا بأن المقهور هو الذي يصبر على المستبدّ، فإنّهم يدّعون أنهم هم الصابرون. وفي كلامهم بالطبع تهديد بأنه قد ينفد الصبر، لكنّهم لا يفصحون عمّا سيفعلون في هذه الحالة. لا يهمّ، ففي جميع الحالات مصير البشر لا يعني لهم الكثير، طالما أن ما يقومون به هو انتصار لله ويحظى ببركته المسبقة، وهو الذي سينصرهم.