النهار

إسرائيل و"حزب الله"... حرب برية أم عمليات جراحية؟
د. خالد محمد باطرفي
المصدر: "النهار"
إسرائيل و"حزب الله"... حرب برية أم عمليات جراحية؟
من مناورة "حزب الله" في عرمتى (نبيل إسماعيل).
A+   A-
ماذا يجري بين إسرائيل وحزب الله؟ هل هي حرب أم عراك؟ هل ستغزو تل أبيب لبنان هذه المرة أم ستكتفي بالعمليات الجراحية من بعد؟ وهل سيصل المشرط إلى الرقبة أم يبقى عند حدود الأطراف؟

وإذا لم تكن هناك حرب غازية فكيف نفسّر سيل التهديدات والحشود العسكرية وسحب الدول مواطنيها؟ وما معنى سحب حاملة الطائرات الأميركية أيزنهاور من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط ومقابل الشواطئ الإسرائيلية واللبنانية؟

الحكم على الشيء فرع من تصوّره. وقبل أن نناقش الاحتمالات علينا أن نستوعب الأسس التي تنطلق منها وتبنى عليها.

الأساس الأول: إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، وفي خدمة سيّد واحد، ومكلفتان بنفس المهمة. والإمام الخميني عاد بطائرة فرنسية، واستقبلته أجهزة الاستخبارات والأمن القومي الأميركي والبريطاني والفرنسي في مطار طهران عام 1979.

جاء ذلك ضمن اتفاق مسبق، حسب خطابات نشرتها الغارديان البريطانية (يونيو 2016) موجهة إلى الرئيس الأميركي جيمي كارتر، يعد فيها بخدمة المصالح الأميركية بحال تحييد الجيش وتسلّمه الحكم في إيران ، وتوافق بين واشنطن ولندن وباريس على استضافته ودعمه وضمان خروج الشاه وتسليم الجيش الإمبراطوري للنظام الجديد.

والمهمة التي كان يقوم بها الشاه محمد رضا بهلوي علناً هي تقاسم مناطق النفوذ والسيطرة مع إسرائيل (إدارة بالوكالة)، بحيث تتولى طهران مهمة شرطي الخليج وتتكفل تل أبيب بالشام ومصر. ويضمن الغرب بذلك بقاء دول المنطقة العربية بحالة خوف واحتياج للمظلة الأمنية الغربية.

كانت مشكلة الشرطيين أنهما يفتقدان إلى القبول والقدرة على الاختراق المجتمعي. فإيران فارسية علمانية، وإسرائيل يهودية أجنبية. والمشروع الجديد يتميّز براياته الإسلامية، ووعوده بتحرير المقدسات ودعم الثورات العربية والطوائف والأحزاب الدينية.

وكان المخطط إعادة تشكيل المنطقة، ورسم خرائطها بالتهديدين الخارجي والداخلي للأنظمة القائمة، وتخييرها ما بين الخضوع التام للنظام الجديد أو استبدالها بأنظمة تجاهر بمعاداة الغرب وتخدم بالسر أهدافه، تقودها أقليات تستمدّ قوتها من وكلاء الغرب، طهران علناً، وإسرائيل سراً.

وبالرغم من العقبات التي أجّلت تحقيق الأهداف، بصمود العراق وحلفائه في الثمانينيات، فإنها حققت العديد من النجاحات بغزو واحتلال العراق، واستبدال نظامه البعثي بنظام طائفي، وتثبيت النظام البعثي الطائفي في سوريا مع إضعافه ومحاصرته، وقلب أنظمة الحكم في العديد من الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي لصالح أنظمة تطبق الوصفات الغربية للحكم، وتديرها أحزاب تنتمي إلى نفس المحور "الجهادي" (الشيعي-السني) الذي تقوده إيران (والعضو الجديد تركيا).

الأساس الثاني: حزب الله يمثل العصا الغليظة لإيران والخادم العربي الأول، من خلال شبكته الواسعة في دول المنطقة.

الأساس الثالث: لأسباب عقائدية ومصالح شخصية ضيّقة، تجاوزت إسرائيل نتنياهو العديد من الإشارات الحمراء باستهداف قيادات إيران ية وحزبية، وبالانقلاب على حماس بعد عقود من التفاهم والتعاون لمنع قيام دولة فلسطينية أو تمكين سلطة فلسطينية موحّدة.
في المقابل، دفعت إيران مواليها لتجاوز بعض قواعد الاشتباك لتحقيق نفس الهدف، ولمنع التطبيع العربي مع إسرائيل وقيام ناتو عربي-أميركي في المنطقة ينهي الحاجة إليها كشرطيّ، ويهدّد مصالحها ونفوذها العربي.

الأساس الرابع: صمود الشعب الفلسطيني وفشل الجيش الإسرائيلي في إنهاء الحرب وإخضاع قطاع غزة قبل نهاية العام الماضي، كما تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة؛ وردة فعل المجتمع الدولي القوية لجرائم الحرب المرتكبة أدخل تل أبيب في نفق أطول حرب في تاريخها، واستنزف مواردها المالية والبشرية والعسكرية وأرصدتها السياسية ومكانتها الدولية.

ودخول حرب ثانية، والتورط في مستنقع آخر ليس تحت الحصار، وأمام قوات ضعف قوات حماس، قابلة للزيادة، ولديها سلاح أكثر تطوراً وكثافة، يعتبره جنرالات إسرائيل مهمة انتحارية، وبات موقفهم المعارض لحكومة نتنياهو معلناً.

على هذه الأسس الأربعة، نستطيع أن نبني تصورنا لما يمكن أن تنتهي إليه المشادات الحالية بين إسرائيل ووكلاء إيران . وبالرغم من أن الغرب يميل اليوم إلى الاستغناء عن بعض خدمات إيران ، فإنه ليس مستعداً لفصلها من الخدمة.

وإيران قد تتحمل خسارة حماس كسلطة مع بقائها كحركة مقاومة مسلحة وحزب سياسي، إلا أنها لا يمكن أن تستغني أو تتخلّى عن حزب الله كحكومة أمر واقع في لبنان، وكشبكة عربية لبسط النفوذ ودعم الجماعات والطوائف العربية، ومنصّة دولية لأسواق المال والتجارة المحرّمة تحت غطاء شرعية الدولة اللبنانية.

وإسرائيل لا تريد القضاء على الحزب، بل اقتلاع بعض أنيابه. فمئتا ألف صاروخ، منها البعيد المدى والدقيق بحوزته لا تطمئن قادة تل أبيب، بالرغم من أنها لم تستخدم يوماً ضدهم.

كما لا تسعى تل أبيب لكسر ظهر إيران، ولكن لمنع حصولها على السلاح النووي الذي قد يقع يوماً في يد قيادة لا تخضع للغرب، أو الصواريخ البالستية التي قد تخترق يوماً قبّتها الحديدية.

كذلك، ترى القيادة الإسرائيلية أن دور طهران في سوريا انتهى بتثبيت النظام وتدمير البلد، وآن أوان ابتعاد قواتها عن حدود الجولان ودعمها لعملائها بالأسلحة المتقدمة.

لهذا كلّه أرى -والله أعلم- بأن كلّ هذا العراك سينتهي قريباً بحلول توافقية، كما انتهى إليه تصعيد حقول الغاز وترسيم الحدود بين الحزب وإسرائيل، فينسحب حزب الله إلى ماوراء نهر الليطاني، حسب قرار مجلس الأمن 1701 في 2006، على أن يستلم مواقعه الجيش اللبناني بإشراف قوات حفظ السلام الأممية.

وتنتهي أزمة غزة إلى هدنة وخريطة طريق لوقف دائم وحلول أمنية قد تشمل قوات دولية، وإدارية بيد حكومة فلسطينية جديدة تشرف على إعادة الإعمار، وتمضي على مسار حل الدولتين. وتعلن جماعة الحوثي توقف هجماتها على السفن التجارية ودخولها على خط المصالحة مع الحكومة الشرعية.

وستعمل واشنطن على رعاية كلّ هذه الاتفاقات والحلول قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، لتكون أبرز وأحدث إنجازات الإدارة الديمقراطية. وبتوقف الحرب، تسقط الحكومة الإسرائيلية في الانتخابات وتقود الحكومة المقبلة مفاوضات السلام.

وللحديث بقية.

@kbatarfi
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium