النهار

دم هنيّة يسيل نحو دفتر التسويات؟
اسماعيل هنية.
A+   A-
يأتي اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنيّة ضربة تحت الحزام لمحور الممانعة، الذي يبحث عن نقاط قوّة يفاوض عليها تحت النار، سواء في لبنان، حيث الاستنزاف الأزليّ للحزب، أو في اليمن، حيث القرصنة البحريّة تقابل بتعطيل جزئيّ لميناء الحديدة، أو في سوريا، حيث بات نظام الأسد دمية تنطق حين يتم تدعيمها ببطاريّات روسيّة.
 
يطوي هذا الاغتيال، الذي سبقه اغتيال المستشار العسكري للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، صفحة من الرتابة الميدانيّة والسياسيّة لتفرض مجدّدًا الإشكاليّة الكلاسيكيّة نفسها إلى جانب تساؤلات صغرى: هل الحرب الشاملة على الأبواب؟ أين ستصبح "وحدة الساحات"؟ وماذا حصدت القوى المتنازعة خلال 24 ساعة؟
 
 
لبنان... مرآة انفصال الساحات
 
أصبح ثابتًا أن حزب الله هو مَن سيطلق صفّارة نهاية الحرب؛ حركة ربطها أمينه العام في خطابه الأخير بجبهة غزّة. فالحزب -المطوّق داخليًّا برفض مسيحي للحرب، وانخراط سنّي جزئيّ معه، تحت عنوان "فلسطين"، في ظلّ غياب الأبوّة السنيّة والأقليّة التي تسايره عند تقاطعها معه حول القضيّة "الدروز أنموذجاً"، والمستنزف عسكرياً لعجزه دولياً عن خرق الخط الأزرق، لكونه لا يحظى بدعم دوليّ، يتورّط يوماً بعد يوم في جبهته الإسنادية؛ والتورط الأكبر الذي أتى بعد هجوم حارة حريك يضعه أمام خيارين: إمّا الردّ بما يفوق قدرته على التلقّي، وإمّا الردّ بصيغة مصحوبة بخطاب يرضي الجماهير ويخمد نيران لاوعيهم (فلنعد إلى مقتل قاسم سليماني) وارتباط التنظيم اللبناني بإيران، التي اصطفت مسعود بزشكيان لارتداء وجهها التفاوضيّ، يجعله يقف بين الحرب الدعائية النفسية من جهة والرد المحدود لحفظ ماء الوجه من جهة ثانية.
 
يُدرك "حزب الله" أن الحرب ليست حربه. هو شريك أخلاقي إيديولوجي متصالح مع برنامجه ومشروعه السياسي. فالحيرة التي استمرت طويلاً في تحديد موقعه من طوفان الأقصى (مؤسس أو مساند)، فضلاً عن دخول وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان بدور الوسيط "أحياناً" لوقف التصعيد"، وتأخّر تشكّل جبهة اليمن، إضافة إلى التطلّع العسكري نحو الجولان، تؤكّد أن الساحات لن تكون موحّدة، والحزب سيساند من بعد طالما قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، وخلفه المرشد الإيراني، لم يحط في الضاحية ويقول لنصرالله: "كفى".
 
يأتي اغتيال شكر صفعة بطعمة الإحراج لحزب يتمسّك خطابيّاً بسرديّة الأرض والصلاة في القدس تمامًا كتمسّكه بسلاح لم ينمحه لـ"هدهده" حتى اللحظة. التنسيق بين الحزب والحوثي والحشد الشعبي وحماس وجهاد لن يظهر طالما الإسناد سيبقى من بعد.
 
نتنياهو والاسترخاء الموقّت
 
منذ تحرير الرهائن من مخيم النصيرات الذي تبعته عمليّة دمويّة، انتهت بتصفية قائد كتائب القسّام محمد الضيف، وفقًا للرواية الإسرائيلية، وصولاً إلى اغتيال اسماعيل هنيّة وفؤاد شكر، ينسف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معسكرات المعارضة التي تحاول إطاحته وتحريض أهالي الأسرى، وإعلانه عن استمرار الحرب وطولها في خطابه ما بعد الاغتيالين يرسخ تغذي حياته السياسية على الانجازات الدمويّة التي ستكبر طالما الكنيست في عطلته، والإدارة الأميركيّة الجديدة المنتظرة ولادتها -سواء بوجهها الديمقراطي أو الجمهوري- تصون أمن إسرائيل.
 
استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي انتزاع رخصة من بين فكيّ العالم الصامت لإكمال مجازره في غزة والضفة من جهة، وتكبير حلقة الاغتيال طالما واشنطن تعمل بإدارتها شبه المنتهية على تفعيل حلول دبلوماسيّة.
سيفاوض نتنياهو بعقل مستشرس يستدرج الآخر إلى الساحة طالما إيران تجنح نحو التفاوض والرد الصوري غير المتوازن مع فعل تل أبيب.
كسب نتنياهو رضا المتطرفين أمثال سموتريش وبن غفير ووقع الصمت المؤقت على أفواه لابيد وغانتس...استطاع إعادة سردية "الوحدة الصهيونية" ما يعطيه استرخاء مؤقتًا على كرسي السلطة إلا إذا فاجأه المحور الإيراني بردّ يدخله والعالم إلى دوامة انتحاريّة.
 
دم هنية وارتقاء هاريس كمنافسة جديّة
 
شكّل اغتيال اسماعيل هنية وفؤاد شكر نقطة قوة لكامالا هاريس التي دخلت والديمقراطيين بارتباك بعد عثرات بايدن المتتالية، ومحاولة اغتيال ترامب، واستثمار الأخير للحدث بشكل دعائي لافت، فالحدثان وقعا في عهد جو بايدن الديمقراطي وهاريس نائبة الرئيس استطاعت الاستفادة من اغتيال شكر لتوازن بين خطابها الرافض لاستمرار حرب غزة الذي ازعج نتنياهو وبين تمسكها المقنع بأمن اسرائيل والذي تتجلى مصداقيته عند اغتيال هنية حين أعلن البيت الأبيض علمه بتقارير عملية الاغتيال.
 
تخطف هاريس اليوم نقطة من دماء هنية كما فعل رفيقها الحزبي باراك أوباما حين تم اغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن ضامنًا بذلك ولاية جديدة له، ما يجعل المنافسة مع الجمهوري دونالد ترامب ذات أساس متين وتشويقي كون المرشحين يعيدان تحصين نفسيهما من بوابة الملفات الخارجيّة وتحديدًا الشرق الأوسط.
 
الثابت بعد كل ما سلف أن خلط الأوراق بدأ بعد حمام دم سياسي، فالأطراف المتناحرة على ساحة غزة تبحث عن مخرج للتفاوض والجلوس إلى طاولة حصد المكاسب وإحصاء الخسائر بدأتها إسرائيل اليوم بالاغتيالات ما يضع الحزب ورفاقه في محور إيران أمام ورقة الردّ بالاغتيالات السياسية والأمنية أو التموضع القائم على الردود المحدودة.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium