النهار

حفلُ افتتاح الألعاب الأولمبيّة وأركانٌ ثلاثةٌ للمسيحيّة
سمير قسطنطين
المصدر: "النهار"
حفلُ افتتاح الألعاب الأولمبيّة وأركانٌ ثلاثةٌ للمسيحيّة
افتتاح الألعاب الأولمبيّة.
A+   A-
بالنسبة إليّ، لم ينتهِ فصولاً ما حدث في حفل افتتاح الألعاب الأولمبيّة في فرنسا. كلُّ التبريرات التي أُعطيَت لم تكن مُقنِعة. بالنسبة إليّ، هذه حقارة ولا أشعر أنّه يجب عليّ أن أكون مُحرَجاً في قول ذلك. الموضوع بسيط. هذه دناءة مُتعمّدَة. أحبَبْتُ ما قاله قداسة البابا حين اعتبرَ ما حَصل تجديفاً. هو يتحدّث في الّلاهوت. ليتَ كلَّ كنيسة في العالم سلَّمت بعثة فرنسا في بلادها كتابَ احتجاج. أنا أتحدّث في الإنسانيّة. يمكنُكَ أن تُحمِّلَ الّلجنة الأولمبيّة المُنظِّمة مسؤوليّة ما حدث. لكنّك لستَ مُضطرّاً أن تبرّر السلطة الرسميّة الوطنيّة إلى هذا الحدّ. هكذا أمور تحدثُ عن سابقِ تصوّرٍ وتصميم. الكلُّ على علمٍ بها قبل حدوثِها، ويوافق عليها من النّواحي الفنّية والّلوجستيّة والأمنيّة حتّى. إذا أرادَت علمانيّة فرنسا أن تُطلَّ على مليارات المشاهدين في وجهِ المِثليّة هي حرّة. هيَ فعلاً حُرّة. في النهاية، كُلّنا نحصد ما نزرع. لكن أن تُحقِّر علمانيّةُ فرنسا إيمانَ أكثر من مليار شخصٍ في العالم، فهذا أمرٌ آخر. هل كانت الّلجنة المُنظِّمة لتقبل بعرضِ مشاهد تسخر من المثليّين بوضوح؟ طبعاً لا. وهل كان البعض سيطلبُ من مليارات المشاهدين أن ينظروا إلى تلك العروض على أنّها تُحفةٌ فنّية ليس إلّا؟ طبعاً لا. هذا لا يعني، لا من قريب ولا من بعيد، أنّ للمسيحيّين الحقّ بأن يُعبّروا عن استيائهم مستعملين عُنفاً كلاميّاً أو جسديّاً. لا سمح الله.
 
قلبُ المسيحيّة هو ثلاثة أمور مترابطة: المحبّة، والغفران، وصنع السلام. المسيحيّة ليست عقائد، ولا فلسفة وإن كان البعض يريد أن يراها هكذا. هي المحبّة لأنّكَ عندما تحبّ، يسهُل عليكَ أن تغفرَ إساءات الآخرين. وعندما تغفر، فأنتَ تبني المدماك الأول في صنع السلام مع خصمكَ. لماذا الصخب في العالم اليوم؟ نقصٌ في المحبّة والغفران والسعي الحثيث إلى صنعِ السلام.
 
ليس الأمرُ سهلاً. في المسيحيّة معيار المحبّة هو: "أحبّوا أعداءكم". المسألة صعبة والسقف عالٍ جدّاً، وهو يصل إلى حدِّ "باركوا لاعنيكم". لكنّها أي المحبّة شرطٌ واحدٌ وحيد للغفران، ومن بعدها تبدأ مرحلة صنع السلام.
 
لذا، وفي قراءتي بعقلٍ باردٍ لما حصل من إساءة مقصودة، أقول إنّني لا أرغب في أيِّ مسيحيّةٍ نروّج لها، من حيث ندري أو لا ندري، لا تسلك درب المحبّةِ والصفح وصنع السلام. كلُّ دربٍ تأخذُ الناس إلى مقابلةِ الحقد بحقدٍ، والإساءة بإساءة، والاستفزازِ باستفزازٍ، هذه دربٌ لا تشبِهُ المسيحيّة. وكلّ طريقٍ يسلكُه المسيحيّون ويبادرون فيه إلى بخِّ الكراهية، وبناء الحيطان بين الناس، والاستفزاز، وتخريب السلام، فهذه أيضاً دربٌ لا تشبِهُهم في جوهرِهم. إذا فقدَت المسيحيّة المحبّةَ والصفحَ وصنعَ السلام، يصعب على المسيحيّين عندئذٍ أن يفتخروا بمسيحيّتهم. هي كلّ القوّة، تلك القوّة الحقيقيّة.
 
لعلّ ما حصل يكون جرسَ إنذارٍ للمسيحيّة لكي تمدّ يدها الخلاصيّة إلى من سخرَ منها، فتحملَ إليهم نورَها ومحبّتَها من جديد. هذه مسؤولّيتها المُتجدّدة بأن تُفتّش على من يُفتّشون عن الحقيقة. هذه قوّتها. هذا نبعٌ لا ينضب.

اقرأ في النهار Premium