بول ناصيف عكاري
ما نشهد عليه اليوم، وكما بات الكلّ مدركًا، أنّ زمن التطويب البطريرك الدويهي الهدنانيّ ما هو إلّا زمن الأنانيّة والتطبيل والفولكلور والحشر السياسي! بالمقابل، في زمن هذا التطويب لا بد من وقفة تأمّل ومصارحة للذات لنتمكن من الاجابة عن ما حلّ بالموارنة؟ ماذا يحصل لهم؟ ولماذا وصلوا إلى هذا الدرك؟
لهذا الطوباوي السائر إلى مرتبة القداسة، رسالة واحدة وواضحة تشتمل على "المحافظة على الكنيسة والشعب ولبنان". هذا الشعب الطيّب والمطيع، الذي مشا وما زال يمشي وراء بطاركته الذين أعطوا "مجد لبنان". بطاركة أتقياء وأحرار وشجعان جاهدوا وكدّوا للحفاظ على كرامة شعبهم وإنسانيّته وحرّيته وديمومته، وعلى عقيدته الثابتة المترسخة بقوة الإيمان. أمّا كنيسة هذا الشعب ورهبانه وقديسوه كانوا دوماً ملتصقين بشعبهم ويعيشون مع الرعيّة ببساطة ووداعة دون ترفع وتكبر. فلبنان، بالنسبة له، فهي قضية شعب التصق بلبنانه وأرضه وجلوله، كما يلتصق الروح الحيّ بالجسد الفاني حتّى بات الموارنة ولبنان توأمين لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض. هذه "القضيّة المارونيّة"، بكلّ بساطة، تتمحور حول الثلاثيّة الإنسانيّة: "المحبّة والحرّية والانفتاح".
الموارنة ليسوا بخير! لأنّ مؤسساتهم الدينيّة والعائليّة والرعويّة والمدنيّة والمجتمعيّة مريضة ومنفصمة عن الواقع. ناهيك عن المؤسسة السياسيّة الذميّة الفاشلة والمافياويّة المنتهية الصلاحيّة. الطامة الكبرى أنّ المؤسسة الدينيّة وضعت نفسها تحت سلطة وسيطرة الأشرار والخونة والعملاء لتصبح أسيرتهم ولتضلّ سواء السبيل. الكنيسة في خطر وابتعدت كلّ البعد عن شعبها التائه في أحزانه ومصائبه في بلده لبنان القابع في العناية الفائقة.
عند كلّ مأزق لا بدّ من العودة إلى الجذور. هذه الجذور لا يفهمها إلّا المتنورّين من الموارنة كما فهمها البطريرك "الذهبي الفم" عندما أوصى بأن يدفن في قنّوبين وليس في إهدن. وكم نحن بحاجة إلى هؤلاء المتنورين في هذا الزمن الرديء. هذه الجذور هي منبثقة من "روحيّة قنّوبين" التي هي فعل صلاة وصوم وصبر وصلابة وصمود. "روحيّة قنّوبين" هذه، نفحتها حريّة وكرامة إنسان وإخاء وتعاضد، ومدماكها الرجاء والأمل. فعل إيمانها التجرّد بالمحبّة والتسامح والفكر النيّر. سلوكياتها الطاعة، والطهارة، والتواضع، والقناعة برزق الربّ، وقهر الذات (الانسحاق بالله).
أبانا الطوباوي، وبشفاعتك وبشفاعة من سبقوق وبمن سيلحق بك، نطلب منك أن تنير عقول وضمائر من يدعون أنفسهم "المسؤولين" ليعودوا عودة الإبن الضال إلى حظيرة يوحنا مارون. أبانا، الموارنة بحاجة إلى حمام ساخن يقيهم شرّ الوصول الانتهازي إلى هيكل الكرسيّ المهترئ والعودة النقيّة إلى الجذور لحماية ذاك الإرث الحضاريّ الوطنيّ الثمين. . للتذكير، عندما يشرُد الراعي عن الرعيّة وينكفئ الجيش الأسود ويفشل في تحمّل مسؤولياته، يدخل الموارنة تلقائيّاً في الدرك الجهنّميّ. أمَا بكركي فهي بحاجة إلى عملية تنقيّة لأنّ البطريرك والمطارنة والآباء الأجلّاء يستلهمون من الروح القدس ومن روحيّة قنّوبين وليس من أفكار وتوصيات الأزلام والمنتفعين والوصوليّين والجهلة.
ومن يستنير بتعاليم السيد المسيح ويعمل بها لا يأبه بوسوسات وسلوكيات ولا يخاف من ضغوط طغمة الحرام ومن وراءها.