إيلي بدران
من خلال متابعة الاعتداءات الإسرائيلية التي تتمدد يوماً بعد يوم، تُنشر أخبار استعدادات الكيان الإسرائيلي للرد المنتظر من "حزب الله" بعد اغتيال فؤاد شكر، ومن إيران بعد اغتيال إسماعيل هنية. جزء من تلك الاستعدادات يُنشر على المواقع الإخبارية اللبنانية، وجزء آخر يجري تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في آخر الأخبار، وزّعت إسرائيل على من بقي من سكان شمالها أجهزة اتصال عبر الأقمار الاصطناعية كـ"ثريا" وغيرها، وحوّلت مرأب مستشفى إلى قاعة طبية، والطوابق السفلى في الأبنية الكبرى إلى ملاجئ وزوّدتها بالمؤن والمواد الطبية. من جهته، يتغنى جمهور المقاومة في لبنان بأن إسرائيل تقف على "إجر ونصف" بانتظار رد محور المقاومة.
لكن ما لا يتناوله الشعب اللبناني هو كيفية استعداد الدولة اللبنانية لمواجهة الرد الإسرائيلي على رد "حزب الله". لبنان يعاني من الانهيار الاقتصادي منذ ما قبل ثورة 17 تشرين، والخدمات التي اعتادت الدولة تقديمها للشعب اللبناني قد زادت عليها أعباء نحو مليوني لاجئ سوري. كما أن احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية يتناقص يومياً، ومع انتهاء كل شحنة فيول لإنتاج الكهرباء، تتقاذف السلطة المسؤولية بين وزارة المالية وشركة الكهرباء لتأمين الالتزامات الضرورية لاستيراد شحنة جديدة.
الدول التي تتخذ قرارات الحرب تؤمن كل المخزون الضروري من مواد أولية ونفطية وطبية قبل أن تبدأ مغامرتها العسكرية. فما هي استعدادات الدولة اللبنانية المنهارة أصلاً وهي تستمع إلى طبول الحرب تُقرع؟ إن كانت إسرائيل التي تتمتع بكل الدعم الدولي وتُسخَّر لها كل أموال اليهود في العالم لضمان ديمومة الكيان، فضلاً عن الدعم العسكري من جميع قواعد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، تستعد بهذه الصورة، فما هي حال لبنان؟
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تملّص من مسؤولية حكومته منذ اليوم الأول معتبراً أنه لا تأثير لحكومته على قرارات "حزب الله". من جهته، يتفاخر النائب علي فيّاض بعلاقة "حزب الله" مع الدولة اللبنانية، معتبراً إيّاها نموذجية ويمكن البناء عليها. ولكن بين التملص من المسؤولية والتفاخر بالأحادية في اتخاذ قرارات تعني كل الشعب اللبناني، من يؤمّن المستلزمات اليومية لشعبين، اللبناني والسوري، على أرض واحدة؟
إذا نفذت إسرائيل تهديداتها وضربت مطار بيروت، على سبيل المثال لا الحصر، فما الخطة البديلة لإعادة المهاجرين اللبنانيين إلى دول الانتشار التي يعملون فيها؟ وإذا ضُرب مرفأ بيروت، فمن أيّ مرفأ نستورد بضاعتنا؟ وإذا نفدت احتياطات المواد الطبية، فهل نطلب من كل مريض لبناني، وما أكثرهم، أن يسقط مع "حزب الله" على طريق القدس؟
المواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل مفتوحة على كل الصعد، والحرب قد تطول، خصوصاً أن إسرائيل لا تبحث عن حلول آنية أو مرحلية بل تسعى إلى حلول نهائية مستدامة. الدعم الدولي لها بعد هجوم 7 أكتوبر قد لا يتكرر، ولكن مع ذلك، تبقى كلفة الحرب مهما طالت مجرد رقم يجب تأمينه.
أمام هذا الواقع، يبقى على الدولة اللبنانية، بشخص وزير الأشغال، أن يبحث عن مطار ثانٍ يربط لبنان بالعالم. قد يكون مطار رياق في البقاع، أو مطار حامات في البترون، أو مطار القليعات في عكار لتأمين أبسط مستلزمات استمرار الحرب، لأن المقاومة التي تتضوّر جوعاً لا يمكنها القتال، والشعب الذي يعجز عن تأمين الدواء لن يدعم استمرار الحرب. وبالتالي، من واجبات "حزب الله" تأمين جبهته الداخلية أو خاصرته الرخوة، وإلا فسيكون مجبراً على مواجهة إسرائيل في الميدان والاحتجاجات في الباحة الخلفية.
لطالما رفض "حزب الله" النقاش في فكرة إنشاء مطار آخر في لبنان، وكأنه يريد أن تبقى المرافق الحيوية تحت سيطرته، سواء من خلال الموظفين الرسميين وغير الرسميين فيها كمطار بيروت، أو السيطرة على تلك المرافق بـ"النار" كمرفأ بيروت والإدارات الرسمية في العاصمة. لكن مواجهته للعدو الإسرائيلي اليوم غير محصنة داخلياً، والبيئات التي كانت تقف خلفه وتدعمه لم تعد كذلك. موازين القوى الداخلية اليوم مختلفة كلياً عن حرب تموز 2006، وتعنّت "حزب الله" بعدم تسهيل إنشاء مرافق حيوية في مناطق لا نفوذ سياسياً له فيها يطرح أكثر من علامة استفهام، لأن مصير الشعب اللبناني كله مرتبط بمرفأ ما أو مطار ما في مناطق بعيدة عن نفوذ "الممانعة" قد يسلم من القصف الإسرائيلي.