تتزايد المخاوف من توسع الحرب في لبنان. من شبه المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد الاستمرار بالحرب على غزة وعلى لبنان. بالنسبة إليه الحرب تقتل الآخرين فيما السلام يقتله هو سياسياً.
عندما يكون هدف نتنياهو الواضح الاستمرار بالحرب، وعندما يكون باستطاعته تدمير لبنان كما دمّر غزة، حتى ولو ألحق "حزب الله" الأذى الكبير البشري والمادي بإسرائيل، فأيهما يكون أشرف وأفعل وطنياً لمواجهة نتنياهو: الاستمرار بـ"حرب الإسناد" وإعطائه ما يبرّر حربه على لبنان، أو اتّباع استراتيجية سلام، تحرج نتنياهو، وتلقى دعم الامم المتحدة، وتبدأ بالدعوة إلى التفاوض فوراً على تطبيق الـ١٧٠١ الكامل والشامل؟
هل إسناد غزة من دون القدرة على وقف تدميرها وإبادة شعبها، يكون بتدمير لبنان أيضا أم بالحفاظ عليه نصرة للبنان وللقضية الفلسطينية عندما يحين الوقت؟
أعرف أن المسألة معقدة بسبب ربط "حزب الله" وقف حرب الإسناد بوقف الحرب على غزة. وهذا خطأ استراتيجي وقع فيه "حزب الله"، إذ إنّه بذلك ربط موقفه بإرادة نتنياهو، الساعي أبداً إلى توسيع الحرب. مَن بمقدوره إنزال "حزب الله" عن الشجرة التي صعد إليها ربما مجبراً؟
يمكن لـ"حزب الله" الاستعانة بثلاثيته الذهبية لإنقاذ نفسه وبلاده: الشعب بأكثريته الساحقة لا يريد الحرب: نحو ٩٠% بحسب آخر استطلاعات الرأي. والجيش مستعدّ لملء الفراغ الأمني إذا انسحب "حزب الله" من بعض المناطق، بحسب ما ينصّ عليه القرار ١٧٠١. وقد باشرت الحكومة الإعداد لذلك بقراراتها وبرسائلها إلى المراجع الدولية. فهل يستنجد "حزب الله" فعلياً هذه المرة بالشعب والجيش لإنقاذ المقاومة من الورطة التي أوقعت لبنان فيها، فيسمح للحكومة بالدخول في مفاوضات جدية تفادياً لتدمير لبنان، ونزولاً عند رغبة الشعب، وتعبيراً عن ثقته بالجيش، اللذين لطالما اعتبرهما سنداً له، أم أن كلمة الفصل تبقى عند إيران ومصالحها؟
لكن شعب لبنان لا يستطيع انتظار نزول الوحي على "حزب الله"، كما يفعل اليوم، بل عليه أن يسمع صوته عالياً وعدم الاكتفاء برفع الإعلانات على الطرقات. فإنقاذ حياته وحياة بلاده يعتمد على جرأته وإقدامه.
ليس مطلوباً الضغط مباشرة على "حزب الله"، فهذا غير ممكن ميدانياً، كما أن مسؤولية اتخاذ القرار بالمفاوضات تقع على الحكومة، وهي لن تتجرأ على الطلب من "حزب الله" بضرورة إيجاد مخرج يقي لبنان المصير الأسود المحتوم، إلا تحت الضغط الشعبي الكثيف والمتواصل؛ وعدم استجابتها لا يمكن تسميته بأقلّ من الخيانة الوطنية العظمى.