النهار

نهاية الحرب في غزة لا تُهدّد حكومة نتنياهو بل مستقبله
المصدر: "النهار"
نهاية الحرب في غزة لا تُهدّد حكومة نتنياهو بل مستقبله
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ ف ب).
A+   A-
حسين عبدالحسين

تعتبر الحكمة السائدة أن البقاء في السلطة هو سبب مماطلة رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في قبول تسوية تقضي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومبادلة رهائن إسرائيل لدى حماس بمعتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وتعتبر الحكمة نفسها أن انتهاء الحرب في غزة، أو الحرب بشكل عام في الضفة الغربية، أو مع حزب الله اللبناني، تؤدي الغرض نفسه، إذ إن الرأي العام الإسرائيلي سيسارع إلى محاسبة نتنياهو عن فشله في استباق ومنع وقوع هجوم حماس يوم ٧ أكتوبر، والذي راح ضحيته 1200 إسرائيلي. لكن هذه الحكمة مخطئة بشكل كامل.

سبب رفض نتنياهو وقف الحرب في غزة لا يتعلّق بالحاضر بل بالمستقبل. في الوقت الراهن، يتمتع رئيس حكومة إسرائيل بتحالف ثابت يتألف من 64 مقعداً في الكنيست، أكثر من 12 منها يشغلها نوّاب من أقصى اليمين بقيادة وزيري المالية والأمن القومي بتسالل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وتنتهي ولاية الكنيست في أكتوبر 2026. في حال انسحب أقصى اليمين من الحكومة، تنهار، وتجري انتخابات تفوز بها المعارضة، ويجلس سموتريش وبن غفير خارج الحكم. هذا يعني أن مصير نتنياهو ومصير أقصى اليمين مترابطان، وأنهم لن يخالفوه الرأي، حتى لو وافق على وقف إطلاق نار في غزة وتبادل أسرى، كما فعل بين 22 نوفمبر والأول من ديسمبر 2023.

اتفاقية إنهاء الحرب في غزة المنصوص عنها في قرار مجلس الأمن 2735 تنقسم إلى ثلاث مراحل، تطلب الأولى انسحاب القوات الإسرائيلية "من الأماكن السكنية" فقط مقابل إفراج حماس عن كلّ الرهائن من غير الذكور الراشدين، وإفراج إسرائيل عن دفعة من الفلسطينيين. وعبارة أماكن سكنية لا تتضمن محور نتساريم، الذي يقسم القطاع إلى نصفين شمالي وجنوبي، ولا صلاح الدين (فيلادلفي) الذي يصله بالأراضي المصرية. في المرحلة الثانية، تفرج حماس عن الذكور الإسرائيليين الراشدين مقابل انسحاب إسرائيلي من القطاع ووقفٍ دائم للحرب. لم يربط مجلس الأمن بين المراحل، بل أشار إلى أن الأولى مستقلّة عن الثانية، وأنه يُمكن مواصلة مناقشة تنفيذ الثانية حتى لو فرغ الطرفان من الأولى من دون التوصل إلى اتفاق حول الثانية.

بكلام آخر، من اليسير لنتنياهو وأقصى اليمين قبول المرحلة الأولى، لكن حماس أضافت شرطاً تمثل بانسحاب إسرائيل من محوري نتساريم وفيلادلفي في المرحلة الأولى. شرط حماس هنا ليس من باب العرقلة، بل هو لتأكيد أن افراجها عن الرهائن هو ضمانتها للبقاء؛ فإن أصرت إسرائيل على إنهاء حماس، تنهي بذلك حياة الرهائن الإسرائيليين المتبقّين معها. هذا الخيار الذي تقدّمه حماس لنتنياهو يلقى شعبية بين عدد كبير من الإسرائيليين، ولكنه ليس كبيراً بما فيه الكفاية للفوز بالانتخابات.

نتنياهو يعتقد بأنه لو خضع للضغط الأميركي والدولي والمحليّ، ووافق على استرداد الأسرى مقابل بقاء حماس، فسيصبح خروجه من الحكم حتمياً مستقبلاً، وإن لم يكن فورياً.

نتنياهو "العتيق في السياسة" لا يكترث للوقت الحاضر، إذ إن تحالفه ثابت على الرّغم من التظاهرات، ويمكن لأيّ باحث مقارنة التظاهرات الحالية بتظاهرات الإسرائيليين ضد حرب لبنان في 1982؛ وهي تظاهرات كانت أضخم بما لا يُقاس ضد حكومة مناحم بيغن، الذي كان خسر تحالف الأغلبيّة في الكنيست منتصف الحرب من دون أن يخرج من الحكم.

بكلام آخر، وضع نتنياهو شعبياً وأميركياً اليوم أفضل من بيغن في حرب لبنان، لكن عين نتنياهو منصبّة على المستقبل. في السنتين المتبقّيتين من عمر الكنيست، يسعى رئيس حكومة إسرائيل إلى اعادة ترميم صورته وشعبيته حتى يتمكّن من الفوز في الانتخابات والبقاء في منصبه. ونتنياهو هذا "يلعق إصبعه ويرفعها في وجه الريح" السياسية، على قول المثال الشعبي اللبناني، لتحديد الشعور الشعبي الإسرائيلي. ويُدرك نتنياهو أن حماس آذت الإسرائيليين، وأن الحرب عليها تتمتع بشعبية عارمة تتفوّق على تأييد عودة الرهائن.

يسدي خصوم نتنياهو الداخليين والخارجيين خدمة سياسية جليلة له بتصويره معانداً ومصراً على هزيمة حماس، إذ كلّما بدا نتنياهو وحيداً بوجه اليسار — الإسرائيلي والأميركي — ارتفعت شعبيته؛ وهذا ما يحصل فعلياً على مدى الأشهر العشرة الماضية، إذ يمكن مراجعة استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي تظهر أن نتنياهو قلّص الفارق مع خصومه من قرابة 15 مقعداً لمصلحتهم إلى أقلّ من خمسة اليوم، وعاد الليكود ليتصدر بشعبيته، وللحصول على أكبر كتلة برلمانية بعدما كان غانتس وحزبه في الصدارة. ولم يكد غانتس يخرج من حكومة الوحدة الوطنية التي تدير الحرب حتى تدهورت شعبيته حسب استطلاعات الرأي.

نتنياهو يقرأ هذه الأرقام ويفهم المزاج الإسرائيلي، وهو يعمل للمستقبل، لا لليوم، ولا للرهان على هوية الرئيس الأميركي المقبل، فيما من الغرابة أن زعيم حماس يحيى السنوار، الذي يتحدث العبرية، ويفترض أنه يعرف عقلية الإسرائيليين وخبايا مشهدهم السياسي، لا يبدو أنه يفهم إسرائيل بتاتاً، إذ يعتقد أنه بقتله ستة رهائن قادر على فرض وقف إطلاق النار أو الإطاحة بنتنياهو وتحالف اليمين الحاكم، أو أن أيّ تحالف بديل عن نتنياهو سيتراخى مع حماس؛ فسعي إسرائيل للقضاء على الحركة الفلسطينية استراتيجية تمثل مصلحة قومية ورغبة شعبية، لا مناورة سياسية آنية.

كان السفير الأميركي الراحل إلى إسرائيل مارتن إنديك يردّد أن نتنياهو تعلّم درسه الأكبر في حياته السياسة بعد سنواته الأولى في رئاسة الحكومة، فنتنياهو وصل إلى الحكم كأصغر رئيس في تاريخ البلاد، وكان يبلغ من العمر 47 عاماً، وتبنّى سياسة حزبه اليميني، الليكود، وهو ما أثار حفيظة عرفات والفلسطينيين ومعهم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، الذي مارس ضغطاً كبيراً على نتنياهو للتراجع. رضخ رئيس الحكومة الشاب للضغوط الأميركية والدولية والفلسطينية، بل عاد إلى اتفاقية أوسلو، بعد أن كان فوزه على أساس الإطاحة بها، ووقّع اتفاقية جديدة مع عرفات في "واي ريفر بلانتايشن" قضت بانسحابات إسرائيلية رسمت خريطة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة وغزة على شكلها الحالي. ثمّ بعد كلّ تنازلاته، شنّت حماس تفجيرات انتحارية، فانقلب المزاج الشعبي الإسرائيلي ضد نتنياهو، وأطاح به في الانتخابات.

الدرس الذي تعلمه نتنياهو من فترة التسعينيات هو الحكم بموجب استطلاعات الرأي والمزاج الشعبي، فلو كان نتنياهو يعتقد اليوم أن أغلبية إسرائيلية تريد وقف الحرب على حماس لأوقفها، مع العلم أن نتنياهو صاحب أطول فترة في رئاسة حكومة إسرائيل كان صاحب أقلّ عدد من الحروب إلى يوم 7 أكتوبر 2023، حتى أن المشككين في قدرة إسرائيل على الرد على حماس يومذاك أشاروا إلى تاريخ نتنياهو في تفادي المواجهات العسكرية المسلّحة.

لكن الزمن يختلف اليوم. إسرائيل ما تزال مجروحة وساعية إلى الانتقام من حماس، ونتنياهو يعرف أنه كلّما ظهر وحيداً في إصراره على القضاء على حماس، ارتفعت شعبيته إلى أن تصل إلى أغلبية تسمح له بإجراء انتخابات يفوز فيها، وهو ما يزال أمامه سنتين لذلك.

* باحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium