النهار

ما بين الغيبوبة وحضانة أم
المصدر: النهار - فاتن بو حمدان
ما بين الغيبوبة وحضانة أم
A+   A-
بينما كانت الأم ليليان شعيتو غارقة في غيبوبتها جراء انفجار أودى بحياة عدد كبير من الضحايا كما أسقط العديد من الجرحى، قرر الزوج حرمانها هي وعائلتها من حضانة طفلها الرضيع من دون أي سبب شرعي واضح يبرر ذلك. ان خبر تحسنها جزئياً بعد مرور5 أشهر على الانفجار المروع زرع الأمل في قلوب شعب، كاد يفقده مع هكذا طبقة سياسية حاكمة، لكن خبر إبعاد الطفل عن أمه كان الأفظع من الناحية الانسانية والشرعية.
في ٢٩ تموز 2019 كان سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية يتصدر مجدداً في لبنان، بعدما رفضت المحكمة الجعفرية رفع سن حضانة الأم لأطفالها وهو عامين للصبي وسبع سنوات للفتاة، فبرتز حينها حملات وتظاهرات للمطالبة برفع السن، كما تناولت النائبة في البرلمان اللبناني عناية عز الدين بدقة أكثر هذه القضية، فأكدت ضرورة تعديل اجتهادات فقهية تعتمد عليها المحكمة الجعفرية، خصوصاً في أمور النفقة والحضانة والطلاق مراعاةً للمصلحة الانسانية والنفسية للطفل، لكن لم يتغير شيء حتئ الساعة،بالرغم من أن إجراء هذه التعديلات يصون الروح الايمانية ويعزز علاقة الإنسان بعقائده ودينه.
يؤكد قانون الأحوال الشخصية لدى مختلف الطوائف أنه في فترة حضانة الطفل عند أحد الأبوين، لا يحق للطرف الحاضن منع الطرف الثاني من رؤية الطفل واللقاء به، ومن الناحية التربوية يؤكد المتخصص في الطب العائلي خالد ناصر أن الطفل يحتاج إلى أمرين أساسيين، "الحب الذي في معظم الأحيان تكون الأم قادرة على إعطائه للطفل من خلال الإرضاع والتواصل الشفهي"، و"يحتاج الطفل إلى الانضباط وما يشمله من قوانين هذا ما تمثله شخصية الأب"، فدوره كما دور الأم لا غنى عنه . لذلك لا يجوز قانونياً وأخلاقياً إلغاء دور الأب أو الأم من خلال منع أي طرف من رؤية الأطفال.
ما يثير إستغراب البعض هو أن والد الطفل، مقيم في الخارج بعيداً عن طفله... فعن أي حضانة نتكلم؟
حدد القانون شروط عامة يجب توفرها في الشخص الحاضن، رجلاً كان أو إمرأة وهي: العقل - الرشد - الأمانة - القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته - السلامة من الأمراض المعدية الخطيرة - ألا يسبق الحكم عليه بجريمة من الجرائم الواقعة على العرض . إذا اختل أحد هذه الشروط في الحاضن فإن حقه في الحضانة يسقط. كما أن لا يمكن للأب اتخاد قرار بإبعاد الطفل عن عائلة الأم وإعطاء الحضانة لأهله حصراً، نظراً لإقامته خارج البلاد للعمل ما يمنعه من احتضان الطفل.
ترى منظمات حقوقية أن الأزمة أبعد من أحكام حضانة متشددة لدى طائفة محددة، فبحسب دراسة نشرتها هيومن رايتس ووتش عام 2015، إن القوانين لدى جميع الطوائف في لبنان لا تراعي المصلحة الفضلى للطفل، وتعطي الحضانة للاب في أغلب الحالات، "لأسباب بطبيعتها تمييزية ضد المرأة".
في مطلق الأحوال،لا يجوز أن يكون الطفل في أغلب قضايا الطلاق بمثابة كرة يتقاذفها الطرفان، دون مراعاة مصلحة الطفل الفضلى فيحق للطفل أن يتمتع بالرعاية العائلية،الأمر الذي لا ترعاه قوانين الأحوال الشخصية الدينية في مجتمعاتنا العربية،خلافاً للقوانين المدنية التي تبحث في مصلحة الطفل قبل أي اعتبارات أو مصالح أخرى .
هل ستكون ليليان ضحية مجتمع ذكوري مجحف في أبسط حقوق المرأة، بعدما كانت ضحية إهمال السلطة الحاكمة؟
إن قوانين الأحوال الشخصية لدى الطائفة الشيعية حددت الحالات التي تفقد المرأة حضانة أطفالها، وتشمل: زواجها من محرم الصغير أو بغير محرم، إذا كانت على غير دين الاب . إلا أن زوال السبب المسقط يعيد الحضانة للأم إستطراداً، تكون الحضانة للأم ما لم يبلغ الطفل السنتين للذكر و7 سنوات للأنثى إلا إذا كان هناك سبب شرعي يؤدي إلى حرمانها من هذه الحضانة. إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا في ما خص قضية ليليان شعيتو هو: هل أن دخول المرأة في غيبوبة يندرج ضمن الحالات التي تفقد المرأة حضانة طفلها بالرغم من أنه لا يزال بحاجة ماسة إليها ؟
ان الجواب الأوحد للسؤال المطروح هو أنه لا يجوز حرمان أم من أبسط حقوقها كأم فقدت وعيها لمدة خمسة أشهر وحاربت الموت مهما كان السبب الشخصي.
بالرغم من اعتبار البعض أن الحكم الصادر عن المحكمة الجعفرية العليا المتمثل في منع سفر الطفل خارج البلاد والسماح لوالدة ليليان وعائلتها رؤية الطفل 4 ساعات في اليوم إنتصاراً، إلا أن الانتصار الكبير للمرأة العربية لدى الطائفة الشيعية يتمثل في تعديل سن الحضانة الذي تم طرحه عدة مرات من قبل، لتعزيز دور المرأة في تربية أطفالها في السنوات الأولى وتعزيز الترابط الأسري .
بناءً على ما تقدم، ان "مصلحة الطفل الفضلى" تدخل ضمن النظام العام خاصةً لورودها ضمن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها لبنان .... لكن هل مصلحة الطفل الفضلى هي التي تراعى في الأحكام الصادرة عن المحاكم في قضايا الحضانة؟ من المنطلق القانوني والشرعي حق الأم في أن تحضن أطفالها يجب أن يكون مقدساً، ومحمياً من أي تطاول أو ظلم، تكريساً للقواعد القانونية وقوانين الأحوال الشخصية في لبنان .

إعلان

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/22/2024 3:23:00 AM
المنطقة وسط أجواء أو تفاعلات حربية مع هوكشتاين ومن دونه، لذا ليس في جعبته ما يعطيه للبنان، كما ليس لأي أحد ما يعطيه للفلسطينيين في هذه الظروف والمعطيات.

اقرأ في النهار Premium