النهار

إنهاء الاعتماد المدمّر للعراق على النفط
المصدر: النهار - نور الهدى منتظر حسن الفضلي – العراق
إنهاء الاعتماد المدمّر للعراق على النفط
A+   A-
الشفافية هي مفتاح التحوّل الطاقوي العادل، بحسب المناصِرة نور الهدى منتظر حسن الفضلي.
ساعدتني والدتي كي أفهم كيف بإمكان الفرد أن يساهم إيجابيًا في مجتمعه. كانت ناشطة اجتماعية، وفي طفولتي، كنت أسافر معها إلى محافظات خارج بغداد لحضور ورشات العمل. وهناك، بدأت تتردد على مسامعي مفاهيم حقوق المرأة وتمكين النساء وبناء السلام، وكنت أستمع إلى التحديات التي يواجهها قطاع النفط في العراق.
سؤال واحد ألقى بثقله على كلّ هذه المحادثات: لِمَ كانت مستويات المعيشة في العراق بهذا التدنّي فيما احتياطيّات النفط في البلاد بهذا الحجم؟ واليوم، لا يزال هذا التساؤل على القدر نفسه من الأهمية. فاحتياطيّ النفط العراقي هو الخامس في العالم، إلا أن البلاد لا يزال ينهشها الفقر والبطالة.
هذا ما ألهمني، على غرار كُثُر غيريّ، لإطلاق الحملات من أجل الشفافية في قطاع النفط. ففي غياب الشفافية، من المستحيل توزيع الثروة التي يدرّها هذا القطاع بشكل منصف وعادل، أي لصالح كلّ العراقيين، عوضًا عن توزيعها على كوكبة من النخبة.
يقتات الفساد على غياب الشفافية، ومنه تولد الشبهات وينتشر الغضب بين العراقيين. فهم بأغلبيّتهم، قد فقدوا الثقة بحكومتهم، إذ شهدوا على استنزاف إيرادات النفط بمليارات الدولارات وعلى هدر مبالغ ضخمة على مشاريع لا تعود بالفائدة على الشعب، مع تفشّي ظاهرة تهريب النفط وتوزيع الكوتا والحصص وفقًا لاعتبارات طائفيّة وحزبيّة.
تلبية الحاجات الأساسيّة
إن أراد العراق أن يعالج هذه المشكلات، فعلينا أن نضع حدًّا للاعتماد على إيرادات النفط.
يعود ذلك إلى سبَبَين أساسيّين: الأوّل هو أنّ استمراريّة الكوكب تعتمد على تقليص استخدام الوقود الأحفوريّ بشكل جذريّ، نحو مستقبل منخفض الكربون. أمّا السبب الثاني، فهو الحاجة إلى حماية اقتصادنا من تقلّبات السوق التي بفعلها انهارت أسعار النفط في العام 2020، ممّا أدّى إلى تخفيض إيرادات النفط إلى النصف، بالإضافة إلى صدمات أخرى كاستيلاء داعش على بعض حقول النفط في العام 2014.
في الواقع، عندما يكون اعتماد موازنات الحكومات اعتمادًا شبه كامل على الإيرادات النفطية، فإنّ أيّ هبوط مفاجئ في الأسعار يكون كفيلًا بالتسبّب بصعوبات حادّة للمواطنين. وفي العراق، حينما تنهار أسعار النفط، تنهار معها الوظائف والمداخيل.
يؤمّن النفط ما يصل إلى90% من إيرادات الحكومة. أنا أعمل في مجال الصيدلة السريرية، ويأتي راتبي من قطاع الصناعات الاستخراجية، على غرار كُثُر من أصدقائي أيضًا. لكن عندما استولى داعش على حقول النفط في العراق، بعضهم لم يتلقّ راتبه لمدة ستة أشهر.
بالتالي، من الضروريّ أن نعمد إلى تنويع اقتصادنا من خلال السياحة والزراعة وغيرها من القطاعات، مع الانتقال إلى الطاقة النظيفة. يكتسي ذلك أهميّة كبيرة على الصعيدَين البيئي والاقتصادي معًا: فإذا استمررنا بزيادة إنتاج الوقود الأحفوري فيما يبدأ العالم بالتخلّي عنه تدريجيًا، قد ينتهي بنا المطاف مع "أصول معدومة"، أي مع احتياطيّات نفط وبنى تحتية وأصول أخرى تشهد تدهورًا سريعًا في قيمتها.
وفقًا لما توصّل إليه بحث جديد أجراه أكاديميّون من جامعة مانشستر، إذا ما باشرنا الآن بعملية التحوّل، فإننا ننجح بالتخلّص التدريجيّ من إنتاج الغاز بحلول العام 2050. ووفقًا للباحثين، إن أيّ تأخير سيؤدّي إلى تغيير أسرع لاحقًا، وهو أمر سوف تصعب إدارته.
الشفافية كخطوة أساسية
من الضروريّ أن نفهم تأثير التحوّل الطاقوي على إيرادات حكومتنا، وأن نكون على دراية بتأثيرات المشاريع الاستخراجية الحالية والمستقبلية على المواطنين والبيئة على حدّ سواء.
غالبًا ما يتمّ التكتّم على كلّ المعلومات الضروريّة لفهم هذه المسائل ضمن العقود المُبرَمة. وإن محاولة اكتشافها تُشبه محاولة حلّ ألغاز الكون كلّها. ولهذا السبب، أريد وأعضاء آخرين أن أنشر ما تدفع، وهو حراك عالميّ يعمل من أجل الشفافية والمساءلة في قطاع الصناعات الاستخراجية، الإفصاح الشامل عن جميع العقود المنوطة بالنفط والغاز والتعدين في العراق، وذلك ضمن إطار حملة الإفصاح عن الصفقات #DiscloseTheDeal. فللعراقيين الحق بمعرفة التفاصيل الواردة في الصفقات التي توقّعها سلطاتهم؛ وإن نشر هذه الصفقات سيرسم نهاية عشرات السنين من السريّة، ويطوي صفحة الماضي، ليبدأ فصل جديد في تاريخ بلادنا.
بصفتي عضو في مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية EITI، أؤكّد أنه من المتوجّب على العراق نشر العقود الاستخراجية كافّة، إلا أن ذلك لا يحصل فعليًا. فعلى سبيل المثال، وقّع العراق في العام المنصرم عقدًا ضخمًا بقيمة 27 مليار دولار أميركي مع شركة TotalEnergies، من دون نشره حتى السّاعة. ومن هنا، يطالب التحالف العراقي للشفافية في الصناعات الاستخراجية (ITAEI) بالإفصاح عنه.
وضع حدّ لاعتمادنا على النفط
إن ما سألنا معظم العراقيين حول مستقبل منخفض الكربون، سيجيبون بأكثريّتهم أنّهم يُريدون تلبية حاجاتهم الأساسيّة أوّلًا. فهم أكثر اهتمامًا بحلّ أزمة انقطاع الكهرباء الدائم، ممّا همّ بالاستدامة البيئية، مع الإشارة إلى أن النزاعات التي شهدناها في السنوات الأخيرة أدت إلى إنهاك كُثُر من أبناء جيلي.
لذلك، من الضروري أن نصغي إليهم ونعالج مخاوفهم. علينا أن ننشر الوعي حول سيئات الاعتماد على النفط. شباب كثر قادرون على رؤية الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا. يجب إعلاء صوتهم وإعطاؤهم ثقلًا في عمليات صنع القرار. فهم بارقة الأمل نحو التغيير، إلى جانب المجتمع المدني الذي ازداد قوة في السنوات الأخيرة. فلطالما كان العراق رائدًا في إنتاج النفط، وها هي فرصتنا الآن كي يكون العراق مرة أخرى رائدًا في مجال التحّول الطاقوي بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
السيرة الذاتية: نور الهدى منتظر حسن الفضلي، 24 عامًا، متخصصة في مجال الصيدلة السريرية ومناصرة للشفافية وناشطة بيئية تقيم وتعمل في بغداد.



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium