الفقر في لبنان بات أوضح من أن يخبأ، وآثاره تحيط باللبنانيين من كل اتجاه، فالبلاد التي لطالما اعتمدت على خطط "التجميل" الرسمية لتلائم الاقتصاد السياحي والخدماتي، باتت أعجز من تأمين مستلزمات هذا "التجميل". يقف اللبنانيون في العام 2021 أمام مرآة تعكس لهم الصورة كما هي، من تحت خط الفقر.
فعاش الشارع اللبناني حالة غضب واسعة شملت أغلب المناطق في عموم البلاد، وذلك بعد ما تخطى سعر صرف الدولار ارتفاعه أمام الليرة اللبنانية، فالعملة اللبنانية فقدت 90% من قيمتها أمام الدولار، إذ لامس سعر الصرف في مقابل الدولار عتبة 15 ألف ليرة في السوق السوداء، في سقوط حر مستمر منذ بدء الانهيار الاقتصادي قبل عام ونصف العام. وبذلك، تكون الليرة قد خسرت حوإلى تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي يساوي 1507.
ومن أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار (السوق السوداء) أنه لا يوجد عرض وطلب ببقية الأسواق الأخرى، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. ولارتفاع سعر صرف الدولار، فهو محكوم بثلاثة عوامل: العامل النفسي، وهو الذي يمنع الناس من عرض الدولار بسبب توقعاتهم السلبية تجاه مستقبل لبنان .
العامل التقني، لدينا 36-37 تريليون ليرة لبنانية بسبب طبع مستمر منذ أكثر من سنة للعملة الوطنية لوجود نفقات ثابتة على الدولة لا تقدر أن تغطيها من الواردات ، بالمقابل هناك كتلة نقدية قليلة بالدولار.
وعامل المضاربة، وهي صيغة من صيغ التبادل التي تجري في السوق تتضمن في حيثياتها عمليات شراء الدولار، بهدف إعادة بيعه في لحظة معينة بسعر أعلى.
فانعكس ارتفاع سعر الدولار على أسعار السلع والمواد الاستهلاكية التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، الأمر الذي دفع بعض المتاجر إلى إغلاق أبوابها لحين استقرار سعر صرف الدولار.
في العام 2020، ارتفعت أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بنسبة 145% كمتوسط؛ هناك سلع ارتفعت 200%، سلع 20% ولكن كمتوسط 145%، هذا الأمر أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطن اللبناني بالحد الأدنى بنسبة 90%، إذا كنا نتحدث عن الحد الأدنى للأجور الذي أصبح 45 دولاراً . نحو 70 ألف شخص فقدوا وظائفهم ، وهناك نحو 220 ألفاً يعملون، ولكن يتقاضون ربع أو نصف راتب بالليرة اللبنانية، وتراوحت نسبة الفقر في لبنان 60 في المئة من السكان، منهم 22 في المئة تحت خط الفقر المدقع، ومن الممكن ان تصل نسبة الفقر إلى حدود الـ 70% وأكثر من 80% في حال تمّ رفع الدعم المُقدّم من قبل مصرف لبنان، بالإضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي الحقيقي بنسبة تفوق الـ 8%.
وأعلن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، الثلثاء، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ"، أن لبنان يقوم بتقليص الدعم على المواد الغذائية وسيبدأ تدريجياً بزيادة أسعار البنزين لإنقاذ الاحتياطيات بالعملات الأجنبية المتضائلة، لافتاً إلى أنه لم يعد بإمكان لبنان أن يستمر في وتيرة الدعم نفسها، من دون إعطاء إطار زمني للتغييرات. وكان قد حذر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي، من دخول لبنان في دائرة الخطر الغذائي، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى إمكانية توقف استيراد المنتجات الغذائية الأساسية وغير الأساسية بعد نحو شهرين، وبالتالي فقدان البضائع من الأسواق بعد نحو أربعة أشهر بسبب الصعوبات الكبيرة التي يواجهها القطاع في ما يتعلق باستيراد المواد الغذائية، والتي تتمثل في انعدام السيولة من العملة الصعبة (الدولار) من السوق والتي يحتاج إليها التجار لتأمين حاجات لبنان الغذائية من الخارج.
وبسبب العوامل العديدة التي واجهها لبنان، ومنها:
تعرض لأزمات بدأت بتعثّر الدولة عن سداد سندات اليوروبوند في الربع الأول، تلتها أزمة جائحة فيروس كورونا في الربع الثاني، وجاء بعدها انفجار بيروت المدمر في الربع الثالث، إضافة إلى الأزمة السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة والمستمرة حتى اليوم، ما أدى إلى تراجع معدل دخل الفرد في لبنان نحو 5 آلاف دولار في عام واحد. وشهدت 10 قطاعات اقتصادية تراجعاً من أصل 11 في ٢٠٢٠، بينما حقق قطاع واحد نمواً. والمؤشر الوحيد الذي حقق نموًا إيجابيًا هو قيمة مبيعات العقارات بزيادة قدرها 110.4% على مدار العام، وسط بحث المستثمرين عن ملاذ آمن.
أيضاً، تراجع الناتج المحلي الإجمالي الفعلي من 52 مليار دولار في عام 2019 إلى 19 مليار دولار في عام 2020، وهو انكماش بنسبة 64%، (انكماش بنسبة 25% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وانخفاض بنسبة 39% في أسعار السلع والخدمات بالدولار). نتيجة لذلك، انخفض دخل الفرد في لبنان من 7,660 دولاراً في عام 2019 (المرتبة 85 في العالم من أصل 192 دولة)، إلى 2,745 دولاراً في عام 2020 (المرتبة 135، مع تراجع لبنان 50 مرتبة عالمياً من حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية في سنة واحدة).
الذي قال إن الفقر ليس عيباً كان يريد أن يكملها ويقول: "بل جريمة"، ولكن الاغنياء قاطعوه بالتصفيق الحار.