النهار

صراع وردة
في البدء كان الإنسان هش المشاعر ورقيق القلب
A+   A-
في البدء كان الإنسان هش المشاعر ورقيق القلب، لكنه اندمج وتطور مع الزمان والمكان المتواجد داخلهما، تلك البيئة الممزوجة بالأعمال الصالحة والسيئة التي تحدد مساره وكيفية تعاطيه معها، فالإنسان كائن اجتماعي بالفطرة لا يمكنه الانعزال لفترة طويلة مهما قست عليه تجارب الحياة والمطبّات التي يتعثّر بها. أين أنا من هذه المطبّات؟ هل أتركها تنقر داخلي وتملأ نفسي بالقلق بسبب تكاثرها الموبوء؟ محاربة القلق الذي يطحن العظام السليمة والمهترئة. لا يترك عظمة إلا وينخرها لإنقاذ الأنين المدفون داخل جلدك. هناك مقولة لمحمود درويش: "هناك فراغ رغم ازدحام كل شيء". أريد تغيير المقاييس في تلك المقولة: "هناك ازدحام رغم فراغ كل شيء". نعم أؤكد! يمكن للإنسان العيش بالازدحام رغم فراغ المعاني... قد يفقد الإنسان القوة والمعنى بما يقوم به، وهنا الصراع والمعارك الطاحنة، كأنه يبحث عن قواه وهويته بدون معرفة برّ الأمان. تقذفك الأمواج شمالاً ويميناً غرباً وشرقاً ولا أحد لمن تنادي: "ساعدوني، ساعدوني أكاد أفقدني"! آهٍ، من شَجَى روحٍ تبحث عن طمأنينة ضائعة بين سطور وكلمات حنونة. ذلك الفراغ المنغمس بالحزن والفرح... أعلم هناك تناقض وكيف يمكن وجود فراغ مزدحم؟ عندما أتحدث عن الفراغ، أتحدث عن فراغ المشاعر، الأحاسيس، الكلمات...فراغ موجع يقتل... ازدحام وراء ازدحام يخلق صداعاً يتجذر داخل روحك الممزقة. لكن هل للألم من معنى؟ نحن بشر نحار من كل قوانا ليلاً وصباحاً نلملم شتات أنفسنا نلحمها بابتسامة زائفة تخدع الناس للهروب من سؤال يومي: "كيف حالك؟". يمكن للإنسان خداع كل من حوله لكنه يعلم أن ليس باستطاعته خداع نفسه في كل مرة يرى نفسه بمرآة الحمام عند غسل الأسى عن وجهه المتآكل بالتفكير المفرط. راقبوا جيّداً من حولكم، راقبوا أحباءكم، ابتعدوا إلى العمق. لا تهتموا فقط بالأمور السطحية، قد يختبئ وراء تلك الضحكة جبل من الأحزان. غوصوا! اعتقادك أن الأيام الصعبة لن تمضي فقد مضت من حياتك كسحابة سوداء،
مراحل التحدي والصعوبات لا تزول كالسحر لكن ستأتيك أيام تقوى عليها وتحاربها، وفي النهاية ستتفوق وترفع علم السلام. غامروا في حياتكم، تعلموا التجذيف بالمخاطر وخلالها للوصول إلى بّر الأمان. لأننا نعلم أننا عابرو سبيل، لكن نظل نتأمل السماء لعلّها تمطر فرحاً، فالسماء تمطر قطرات الماء لتروي العطش داخل قلوبنا الصغيرة. هل التقيت في يوم من الأيام نعمةٌ على هيئة إنسان ؟
لطالما تضرّعنا بصلواتنا على أن نرزق بشخص كامل الأوصاف، من نواحٍ عدة. ويأتي اليوم التي تتحقق تلك الأمنية وتلتقي بنعمتك التي انتظرتها أياماً عديدة... ما أجمل ذلك الشعور المليء بالحب والسعادة! لكن عند ترقّبك الساعات، هل حضيت نفسك بنعمة؟ ألم تسأل كيانك أيمكن أن أكون الجواب عن تلك الدعوات التي تلاها قلب أحد يحترق من كثرة الصراخ؟ لا تستخف بما أنت عليه فكلٌ منا يخوض معاركه الخاصة به، ويريد أن يكون سبب ضحكة أحد من بعد بكاء موجع... أحب ندوبك لأنها السبب الأساسي والوحيد على أنك نجوت من تلك العواصف. أزهري أيتها الوردة الجورية! أزهري وعطّري الجو ببلسمك الطاهر.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium