ضجرت حيطان البيت، وملّت شبابيك الردهة. العتمة تصرخ: "أخرجيني من قبضة الستائر والجدران".
لقد انزوت كلّ الحكايات، وخرست بحضرة الصمت كلّ الكلمات، وبات البحث عن الحروف أشبه بمهمّة مستحيلة تخوضها قسراً؛ تخاف معها أن تعود قاصراً ومكسوراً.
يبلغ العجز أوْجَه في إيجاد سبلٍ للترفيه؛ وحدها وسائل التواصل الاجتماعي تبقى ملجأً، ولو غير مستحب، تعود إليه، على الرغم من قذارته وساحاته المليئة بالانقسامات والحقد والسموم.
ربّاه!
العتمة في كلّ مكان، والجو محمومٌ بالحرّ الشديد يكاد يخنق فيك كلّ شيءٍ: الرغبة والحياة والأمل والسعادة.
لقد أطال الحزن بقاءه في موطني، فمتى يعقد الرحيل، ويأخذ معه كلّ المآسي والسواد والقهر الذي نعيشه مرغمين في واقعٍ مرير ومدمّر.
كل التواريخ في بلدي باتت روزنامةً من الأحزان وتذكارات موجعة ومؤلمة.
وها هو ٤ آب يقترب لتخبو معه آمال ذوي شهداءٍ سقطوا غدراً وظلماً من دون مبرّر أو موجب؛ فهؤلاء لم يستشهدوا في ساحات المعركة في مواجهة العدو، ولا حاربوا محتلاً مغتصباً للأرض إنّما قتلوا وهم في بيوتهم الآمنة والدافئة وفي مراكز عملهم المحصّنة الذين يعتاشون وعائلاتهم منها.
سنتان تمران على فاجعة العصر، وعلى انفجار هزّ هِمَم العالم، لكنّه لم يهّز ضمائر حكّامنا أو خفّف من عنجهيّتهم وجبروتهم وسطوتهم. فالتحقيق ما زال معتقلاً، والقاضي العدلي مكبّلاً، والحقيقة مغتصبة ومبهمة، والمشتبه فيهم يكملون مسيرة الحياة على عين عائلاتٍ فقدت في الانفجار أخاً وأختاً وأباً وأمّاً وجدّاً وجدّة، وعندهم وحدهم توقّف الزمن، ووحدهم من شلّت حياتهم منذ ذلك التاريخ المشؤوم في ٤ آب ٢٠٢٠، وهم من يتجرّع مرّ الفراق والاشتياق إلى أحبّة يرجون الله عز وجل أن يأتوا إليهم في الأحلام، بعد أن خسروهم في اليقظة؛ وجلّ ما يطلبون العدالة والحقيقة لأرواحهم الطاهرة والمظلومة.