في الزمنِ البدائيّ للبشريّة كما في التاريخِ الحديث والمُعاصِر، جمعُ الحجارةِ فِعلٌ أساسيٌّ وضروريٌّ لَهُ دورُهُ ومهمّتُه ورسالتُه في نواحٍ عديدةٍ من حياةِ المجتمعاتِ والأوطان.
في الأبجديّةِ قديماً، وفي مجالِ الفنِّ والنّحتِ قديماً وحديثاً، للحجارةِ دورٌ في نقشِ المعرفةِ وحفظِ العلمِ وتبادُلِ الثقافةِ وإظهارِ الإبداع.
عَبرَ التّاريخ، لطالما شكّلَ جمعُ الحجارةِ وسيلةً مهمّةً لبناءِ المُدُنِ وتجهيزِها كي تكونَ أماكنَ جميلةً وصالحةً للحياة. وقد ساهمَ جمعُ الحجارةِ أيضاً في بناءِ الجسورِ كي يُؤمَّنَ التبادُلُ والتواصلُ بينَ الشعوبِ والبلدان. ولتحصينِ المدنِ وحمايتِها من غزواتِ العدوّ، كانت تُجمَعُ الحجارةُ فترتفعُ الأسوارُ ليصبحَ المكانُ آمناً للعيش. لبناءِ أماكنِ الحُكمِ وقصورِ الملوكِ وإعلاء دورِ العبادة، لا بُدَّ من جمعِ الحجارة وتثبيتِ الأعمدةِ فيكون البناءُ ضخماً ومعبِّراً وحصيناً.
وفي الزّراعة، جمعُ الحجارةِ ورميُها بعيداً هو وسيلةٌ من وسائل تنقيةِ التُّربةِ وتحضيرِها كي تصبحَ الأرضُ جاهزةً وصالحةً للزّراعة. في كلِّ نواحي الحياة، للحجارةِ دورٌ ودلالة. حتّى في ساعةِ الموتِ تُنحَتُ الحجارةُ قبوراً ليرقُدَ فيها الأمواتُ وتصبحُ محجّاً للحزانى، يأتون فيبكونَ الرّاحلين.
كذلك للمرحِ وللتسليةِ تُجمَعُ الحجارةُ وتُرمى في المياه أو في المدى الرّحبِ والواسعِ ويربَحُ المباراة مَن يُرسِلُ حجرتَهُ للمدى الأبعد.
وللدفاعِ عنِ النّفسِ، تُجمَعُ الحجارةُ وتُرمى في وجه العدوّ لاسيّما إن لم تتوفّرِ الأسلحةُ أو إن لم يؤدّي استعمالُها إلى النتيجةِ المرجوَّة. في الكتابِ المقدَّس مثلاً، حينَ لم يتمكّنْ جيشُ الملكِ شاول من مجابهةِ العملاق جوليات، غلبَهُ الشاب داود بالمِقلاع أي بحَجرةٍ فصارَتِ الحَجرَةُ رمزَ الشّجاعةِ والإقدام ووسيلةً للدّفاعِ عنِ الشّعبِ والأرض.
ومع الشّعبِ الفلسطينيّ شكّلَت ظاهرةُ رميِ الحجارةِ وسيلةً للاحتجاجِ على ظلمِ العدوِّ ولمقاومةِ احتلالِهِ وغزواتِه وطغيانِه وقد شكّلَت تكتيكاً للدّفاع عن النّفس ولمواجهةِ العدوان بالسلاحِ المتوفّرِ والجاهزِ والحاضرِ دائماً بوجهِ أيّ تعدٍّ. وهنا أيضاً، رَميُ الحجارةِ يدلُّ على الإقدامِ والشّجاعةِ وعلى التمسُّكِ بالقضيّةِ وبالأرضِ وبِحقِّ الدّفاعِ وإنْ بأبسطِ الوسائلِ المتوفّرة.
لجمعِ الحجارةِ إذاً دورٌ وغايةٌ ولرميِ الحجارةِ دلالةٌ ورسالة.
فلا بُدَّ لِمَن يُبادِرُ للتّفتيشِ عنِ الحجارةِ أن يفكّرَ لماذا يجمعُها. ومَن يَهبُّ لرميِها لا بُدَّ له أن يعرفَ أينَ يرميها، على مَن يرميها ولماذا يرميها.
وكي لا يضيعَ الفعلُ في المدى الرّحبِ والواسعِ، لا بُدَّ من السّؤال: ما الهدف؟ ما هي الدّلالةُ وما هي الرّسالة؟