النهار

تجلّيات العاطفة في رسائل نازفة، قصص للكاتبة هند يوسف خضر
المصدر: النهار - بديعة النعيمي - الأردن
تجلّيات العاطفة في رسائل نازفة، قصص للكاتبة هند يوسف خضر
تعتبر الرسائل الأدبية فنًّا من فنون الأدب النثري الذي انتشر في بداية القرن العشرين
A+   A-
تعتبر الرسائل الأدبية فنًّا من فنون الأدب النثري الذي انتشر في بداية القرن العشرين. ولعل أهم ما تتميز به الرسائل من خصائص أسلوبية، العواطف المتعدّدة وصدقها، والتفنّن في طرح الصور الأدبية وتحليق كاتبها في الخيال. ويقول الأديب إبراهيم الهاشمي عنها: (الرسائل الأدبية تمثل الصوت الداخلي للكاتب، لأنه في ثناياها يبثّ أكثر الأفكار والمسائل قرباً وتعبيراً عن نبض قلبه، سواء أكان ذلك همّاً فكرياً أو إنسانياً وجدانياً).
وقد تناصت هند خضر مع غيرها من الأدباء بالرسائل المتبادلة بين أديب وأديبة كتلك التي اشتهرت بين مي زيادة وجبران خليل جبران، ورسائل كافكا إلى ميلينا وغيرهم. وكانت العاطفة العنصر الأكثر بروزاً في رسائل هند خضر. والعاطفة واحدة من العناصر التي يجب أن يتكوّن منها الأدب وهي أداته. فهي التي تتحدّث عن شعور الكاتب وتثير شعور المتلقّي، كما أنّها تسجّل أدقّ مشاعر الحياة وأعمقها، ففي الصفحة 15 نلمس تلك المشاعر الجياشة لدى الكاتبة وهي تكتب لحبيبها: "اليوم سأخبرك عن انهيار عطرك في معطفي، ومعانقة أوراقك ضرب من الانتحار".
وتعتبر إثارة العواطف العنصر الظاهر في الأدب. وقد امتزجت العاطفة بالمعاني والخيال في رسائل نازفة. ومن المعروف أنّ العاطفة يثيرها الشعور بالجمال وهو اللذة التي تحدث في إدراك صفات الشيء. والشيء عند هند خضر هو حبيب، ويتّضح لنا ذلك في كلّ سطر في الرسائل، ومنها ما جاء في الصفحة 17: "عندما تقرأ رسائلي ستدرك كم وكم أحببتك".
والمتلقّي لرسائل نازفة يدرك مدى قوّة العاطفة التي تثيرها تلك الرسائل وصدقها. ويتّضح ذلك من خلال وصف الكاتب لنفسها وهي تستعيد ذكرى الحبيب صفحة 16: "أتمزّق كقطعة ثياب بالية فوق شطآن الذكرى، وأملأ ضلوعي حنيناً واشتياقاً لعينيك". فهذه عبارة من العبارات التي تحرّك الشعور وتوسّع النظر وتحيي القلب لمن يعانون من الوضع النفسيّ للكاتبة.
كما اعتمدت العاطفة عند هند خضر على حسن تعابيرها وقوّة خيالها. فلا تكاد رسالة من تلك النازفة إلّا وتألّق الخيال وتجلّى فيها، ومنها ما جاء في صفحة 23: "أنت تعزف على أوتار قلبي ألحاناً، عندما يداهمني قلق الوقت، ترقص روحي". وفي موضع آخر صفحة 25: "فأمسك ورقتي البيضاء كبشرتك لأكلمها عنك فتغرق بدموعي".
وقد تمتعت هند خضر بقوة أسلوبها الذي تمكنت من خلاله من نقل عواطفها للمتلقي. كما أن العواطف التي أغدقتها في رسائلها كانت خصبة، غنية ومتنوعة فنجد عاطفة الحب صفحة 28: "اسمعني جيداً، عندما أعلنت لي الحب، كانت لحظة كونية، لحظة ولادتي من رحم الأحزان". أمّا عاطفة الحزن واليأس فنجدها مثلاً صفحة 13: "لطالما كنت أخشى من لحظة الغروب. ولا أقصد غروب الشمس وإنّما غروبك عن حياتي". وأمّا عاطفة الشكّ فتتجلى صفحة 70: "اشتقتك للحدّ الذي لا يحتمله القلب ويشك في حقيقة تصديقه العقل، أليست النجمة جارة القمر؟".
وما أعطى للعاطفة قوّتها هو سموها وإثارتها شعوراً أخلاقياً وهي تجربة الكاتبة التي يبدو أنها مسّت حياتها وتسببت لها بكل هذا النزف ويتجلى هذا صفحة 31 وهي تتخلى عن عشقها وتعتزله في جزيرة تعاني فيها آلام عشقها، حيث الألم يحمل أقصى المشاعر الأخلاقية: "لقد انتهى المشوار. وآن موعد الرحيل من مدائن عشقك لأركب على متن سفن الفراق وأهاجر إلى جزيرة صرخاتي وأوجاعي وأحزاني".
والعاطفة تقاس أيضاً باستمرارها وثباتها وهذا يعتمد على بقاء أثرها في نفوس من قرأوا لهند خضر رسائلها النازفة.
أمّا بالنسبة إلى الألفاظ التي استخدمتها الكاتبة فقد كانت سهلة مألوفة صاغتها في تراكيب تراوحت بين القصيرة والمتوسطة. كما تخللت الموسيقى الشعرية بعض فقرات الرسائل.
وقد أعادتنا هند خضر إلى لون أدبيّ جميل ورفيع نفتقده في أيامنا هذه وهو لون مهم نتمنّى عودته ليأخذ مكانته المهمّة من جديد.
بقي أن نقول بأنّ الكاتب محمد حسين وصف لغة الكاتبة بالرشيقة والقريبة إلى العقل والقلب.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium