النهار

الفقر
كم ترعرعت أيها الفقر في هذا العالم المادي الغنيّ المتسلّط
A+   A-
كم ترعرعت أيها الفقر في هذا العالم المادي الغنيّ المتسلّط، فامتلكت الكثير من البشر، وتملّكت حياتهم، فجعلتهم يقاسون الظروف المعيشية الصعبة؛ وذلك بفضل قلّةٍ من النّاس الأغنياء الذين استفردوا بالمال، وجعلوه سلاحاً يقتادون به الفقير ليحقّق أهدافهم من أجل أن يقتات لقمة عيشه، ويبقى وأسرته أحياء. كم أنتَ قاسٍ أيّها الفقر الظالم، فتشرّد الخلق، وتجعل الأرصفة أَسرّتهم، والدّموع والجوع الخلخال اللاصق بروحهم وصوت طنينه يضجّ مضجعهم!
لكنك لا تدرك أنّك لم ولن تستطيع أن تقتل الأحلام ولا البراءة والطِيبة في النفوس، ولن تقدر أن تُهلك أرواحاً تشعّ بالإيمان، لأنّها تلجأ إلى الخالق في لحظات ضعفها، وهو يعزّيها ويحميها من اليأس. من الممكن أن تستبدّ وتمتلك الأجساد فتُضنيها وتُوجعها لكن من المستحيل أن تغتال روحاً آمنت بربّها، وأحبّته، وقبلت كلّ العذاب لأجله، لأنّه مسكنها، ومرقد سلامها؛ فكلّ فقير مؤمن يحمل الله في قلبه، والأمل بالراحة الأبديّة بين أحضانه. كيف لا، وجميع الأنبياء والقديسين عاشوا تحت ردائك أيّها الفقر، وانتصروا عليك بقوّة إرادتهم، وشعاع إيمانهم وقيمهم ومحبّتهم للعالم، ولربّ العالمين...
أيّها الفقر!
أنت من صُنع البشر، ولست وليد السماء! فالإنسان الطمّاع هو من يغذّيك لتكبر وتنمو في كوكبنا، ولو على حساب إخوة له في الإنسانية. عميان البصيرة وفاقدو الرحمة هم جنودك ورسل الشرّ في هذه الأرض، ولكنّهم لن يتمكّنوا من اختزال قيمة الفقير وسلب كرامته وأحلامه، لأنّه متّحد مع الله. وسمومك وطعناتك - - أيها الفقر - تجعله يتمرّس على التحمّل والصبر مناجياً السماء، فيُضحي أقرب بروحه إلى الخالق أكثر وأكثر، ويكتسب كنوزاً لا تزول ولا تنتهي بنهاية حياته في هذا العالم.
الإنسان المحتاج إلى المال لا يحتاج إلى الكرامة، ولا إلى الأحلام، ولا إلى القيم والأخلاق؛ وهذه هي الكنوز الحقيقية للبشرية ولعالمنا؛ ومن بدونها نصبح مع كلّ اقتصاده وأرباحه المادية مجرّد غابة من المخلوقات، تنهش ببعضها، وتنهي بعضها البعض حتى زوال الجميع...


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium