ما زال الحديث عن الانتخابات الرئاسية راوح مكانك، على الرغم من الاتفاق الإيراني- السعودي وبوادر حلحلة في العودة السورية إلى مقاعد الجامعة العربية. ناهيك، عن الحركة اللبنانية المكثفة للقيادات والنواب اللبنانيين إلى أميركا وفرنسا ليُستشرف أي حلّ مرتقب داخلياً يفضي إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية.
حركة ناشطة خارجياً ومتعثرة داخلياً، كسر جمودها محلياً مجيء وزير خارجية ايران حسين أمير عبد اللهيان الذي حثَّ خلاله الأطراف كافة على تنفيذ هذا الاستحقاق من دون اعتباره تدخلاً أو فرض إملاءات من قبل طهران.
وبين مقابلة رئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، يتبيّن أن القادة المسيحيين لن يتعلموا قطّ تنظيم خلافاتهم من خلال عدم الخلط بين المواقف الاستراتيجية والمسلمات غير القابلة للنقاش وبين سياسة المناكفات والكيديات التي يتبعونها.
فتفاهم جعجع باسيل على مرشح ثالث من خارج الاصطفاف بين المحورين هو الحل الأنجع للمساعدة في انتخاب الرئيس وإلا سنشهد جموداً أبدياً.
فما يمنع أن يتفق الطرفان على شخصية مرموقة موزونة ومنطقية في طروحاتها دون أن تثير حساسية الشريك الآخر في البلد.
هل الاتفاق على سبيل المثال على اسم زياد بارود أو العميد مروان شربل هو ضربة للمسيحيين، أم على العكس يكون اختياراً موفقاً لشخصيتين صادقتين لا تقايضان على الجوهر أو على الصلاحيات وقادرتان أيضاً على استيعاب جميع الأطراف بمرونة وبقوة الحق والقانون دون أي مغامرات ولو كلامية لا يُحمَد عقباها.
من يريد حماية المسيحيين أولاً عليه أن يبتعد عن الكيديات الفارغة التي تؤذي المسيحيين قبل سواهم.
لم يُخطئ رئيس مجلس النواب نبيه بري حين اعتبر أن المشكلة الأساس هي بين الموارنة أنفسهم. إذ إنهم قادرون على خلط الأوراق وتغيير اللعبة السياسية لو أنهم اتفقوا على مرشح ثالث.
من يستغل الاستحقاق الرئاسي للنيل من التيار الوطني الحر ورئيسه باعتقاده أنه يحجب عنه شرعية سياسية أو تعويمه كما يعتبر هو واهم. وجبران باسيل لا تستطيع إقصاؤه إلا من خلال الانتخابات النيابية، وهذا مبكر الحديث فيه بعد أن أولاه الناس شرعية نيابية كباقي الأطراف الموجودة على الساحة، ومواقفه في أي استحقاق تتساوى من حيث الأحقية مع أي مكون آخر، إلا، إذا كنا سنستعيد تجربة موضوع النازحين السوريين والتعنّت غير المنطقي والمبرر في عدم التواصل مع السلطة السورية لعودتهم من دون أن يتسبب هذا الأمر بحرب عبثية مفتعلة بين اللبنانيين والسوريين تكون تكلفتها على لبنان أكثر من الشرعية التي سعى البعض لحجبها عن النظام السوري.
لمَ المسؤولون في بلادي وخصوصاً المسيحيين قاصرون دوماً عن تبني الحلول الواقعية والمنطقية من دون أن تتسبب في دفع ثمن باهظ على الوجود المسيحي خاصة واللبناني عامةً.
من يريد مواجهة "التعنت" الثنائي الشيعي عليه مواجهته بالعقل والمرونة والدستور.
فمن غير المسموح تعطيل النصاب من أي طرف كان لأنه جريمة بحق الشعب والوطن والدستور. الاجتهاد في هذا الموضوع هو مقبرة للديمقراطية والانتظام العام.
خطيئة القادة المسيحيين أشد ظلامةً على أنفسهم وتتخطى ظلم الآخرين عليهم.
زمن الوصاية السورية كان المسيحيون يشتكون من الإحباط والتغييب المسيحي. أما اليوم فهم يتغيبون بإرادتهم ويهددون وجودهم والكيان اللبناني بسبب قلّة إدراكهم للمخاطر التي تحيط بهم.
لقد غامر هؤلاء، في مصير المسيحيين منذ سنوات طويلة واليوم لا يفقهون لمعاناتهم الاقتصادية والسياسية والوجودية بفعل غطرستهم وخلافاتهم.
من يرفض فرنجية للرئاسة، عليه أن يواجه فرضه رئيساً بآخر قادر أن يملأ الفراغ بالحكمة والمشروعية.
الزمن الحالي غير مؤاتٍ لنصب الأفخاخ لبعضنا البعض. ومطالبة القوات للتيار باعلان فك الارتباط مع حزب الله، لا تجدي نفعاً ما دامت القوات تحتفظ بتموضعها السياسي. فلمَ وضع العصي بدواليب اتفاق استراتيجي يفيد أكثر من مجرد إعلان فك ارتباط أو حل تفاهم قد يبرز بقاؤه من عدمه في الممارسة مع الوقت.
أوقفوا جلجلة المسيحيين فالقيامة اليوم رهن توافقكم.