"خرجت علينا من طَمْي طبريا نبيًاً للثورة، ترتدي ثوب العَراء المرقع بوهج الشمس، حاملاً كتاب فلسطين الخالد بيمينك، تتلو منه ما تيسر من آيات العزة والكرامة، وبيسارك تعكزت على حُلم عصيّ على احتواء السلطة لك، محصناً ضد كل أشكال الأدلجة، شاهراً ريشتك المدججة في مواجهة الأنظمة والمثقفين الذين رضوا أن يفاوضوا على القضية الفلسطينية أو يهادنوا عليها، ومضى وراءك حنظلة ينساب كنقطة عرق من جبينك، تصليك إذا جال بخاطرك أن تجبن أو تتراجع، كان قرارك الوقوف اللامشروط إلى جانب أبناء جلدتك ممن شردتهم التّسويات الرّخيصة، لم يهادن مع من مدوا أياديهم لـ"الكيان"، مجبول بعشق من هم "تحت"، أولئك الفقراء البسطاء الذين يكونون دائماً عند خط الواجب الأول، أولئك الذين يسكنون تحت سقف الفقر الواطي ولكنهم يقفون عند خط المعركة العالي، مُرَدَّدَا: "أنا ضد التسوية ولكن مع السلام. وأنا مع تحرير فلسطين وفلسطين هنا ليست الضفة الغربية أو غزة. فلسطين بنظري تمتد من المحيط إلى الخليج". عرّيت الحياة بكل جسارة حيث لا مجال لترميم فجواتها ولا مجال لتستير عوراتها. وهمت ماضياً تمتطي صهوة ريشتك إلى الأمام نحو الثورة حتى الرمق الأخير محققاً نبوءة غسان كنفاني: "ليــس المهـم أن يمـوت الإنســان قبــل أن يحقــق فكــرته النبيلــة... بــل المهــم أن يجــد لنفســه فكـــرة نبيلــة قبــل أن يمــوت".
فى ذكرى مرور خمسة وثلاثين عامًا على اغتيال فنان الكاريكاتور الأبرز فلسطينياً وعربياً، قد أجد أن الفنان الفلسطيني ناجي سليم العلي، تجاوز حدود الرائد الذي ينقل إلى أمته شتى الوسائل التي تسعفها في حركة نضالها، فإذا به يحدد ويختار منها ما يلائمها، وعبر بأمته محنة الاستسلام والاعتراف بـ"الكيان الصهيونى"، ولم يتزعزع إيمانه بأن الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة.