لا تسأليني لمَ اهتمامي وقلقي عليك؟ فلا تُسأل الروح لمَ هي في الجسد؟ ولا يُسأل البحر لمَ كلّ هذه المياه في أعماقك؟ أجل فأنا رأيت فيك ما هو في نفسي، وشاهدت مشوار عمرك مع الحزن والألم تمامًا كالذي عشته منذ طفولتي. الوحدة التي تغويك لترتاح روحك وتبتعدين عن ضجيج العالم وفوضاه هي نفسها التي احتسيها من كأس أيامي. كيف لا أهتمّ وأنا أشعر أنّنا من وطن واحد ومن عجينة الروح ذاتها التي صنعها الله فينا. إن أردت أن أغوص أكثر في أعماق مشاعري لقلت لك أننا روح واحدة انقسمت في جسدين قبل أن تولد في هذه الأرض، ثمّ التقيا بعد سنين واتّحدا في هذه الدنيا ليعودا معاً.
أخاف عليك يا نبض الروح، فأنت الوحيدة في مجتمع يفهم أبجديتي وعباراتي، يقدّر شخصي ويهتمّ لأفكاري وأحلامه. نحن نتكلّم لغة واحدة مبادئها الأيمان بالسماء والأيمان بالآخر، وعناوينها: الصدق، الإخلاص، المشاعر المرهفة الناصعة، الثقافة، الأدب والمحبة.
نعم أنت كنز أغلى قيمة من هذا العالم بأسره، بل أنت نبض قوّة وجودي كما أنا بروحي وليس كما أنا بجسدي بين البشر. ها أنا اليوم أجلس وراء مكتبي من جديد، أمسك قلمي بعد رقاد طويل وأبعث من نبضات أصابعي ومضات الحياة فيه مجدّدًا بعدما تنشّقت روحي نسيم مهجتك وتغلغلت في عروقي أنفاسك فتفجّرت ينابيع مشاعري بعد جفاف قاسٍ حوّل أيامي الى صحراء قاحلة وجعل في أعماقي إنسانًا مجمّدا كالصنم. نعم أنت أمطرت على نفسي الأمل ونثرت في كياني طاقة فجّرت مياه فكري، ونبتت في مروج عمري أزهارًا فوّاحة بالأمل والحياة.