الحرب الدائرة في أوكرانيا، اليوم، ستدفع حتماً بعض الدول للحصول على الردع النووي. فدخول بلد ومحاولة اجتياحه بتدمير المدن وجعلها تتساوى بالأرض يعني عملياً أنك تنسخ حروب العصور الغابرة وهذه حقيقة ما نراه اليوم. فروسيا تفعل ذلك لأنها، ببساطة، تمتلك الردع النووي، يعني زارع ألغام ومعه القبضة، متى تقترب منه، يفجر نفسه. لهذا اليوم، بايدن رفض تقديم صواريخ متوسطة المدى إلى أوكرانيا، لأنه على الجهة المقابلة، ميدفيديف الوديع أصبح كالطاووس وفقد أعصابه فكيف بالمنرفزين أصلاً.
الدول المرشحة التي ستتحرك، فعلياً، برأيي بعد هذه الحرب التي ستغير العالم حتماً هي تركيا، اليابان، ألمانيا، البرازيل، إيران، كوريا الجنوبية ولم لا مصر والسعودية معاً؟ هذه الدول، يمكن لها، أن تسعى جاهدة بالسر أو بالعلن لامتلاك هذا السلاح الفتاك لكل مظاهر الحياة إذا لم يرسُ نظام عالمي جديد يفضي إلى ضمانات فعالة وعملية لحدود الدول ومصالحها.
الولايات المتحدة المستقطب الأكبر والأول لعقول مواطني الدول الأخرى، طورت الكثير من العلوم وتقاسمتها مع الدول صديقة وغير صديقة لاعتقادها أن التفاعل الإيجابي الملهم مع باقي البشر لا بد وأن يجلب الخير للبشرية جمعاء ويساعد الآخرين على تقليدها، واقتباس نظامها للحكم والتطور والعدل والازدهار، وهي بقيت، وما زالت أقوى بلد اقتصادياً وعسكرياً ولعبت دور شرطي العالم، لفترة، ولا شك بأنه قد ارتكبت الكثير من الأخطاء، لكن يجب علينا الحسم في هذا الموضوع، ألا وهو، بأنها دولة مكتفية ذاتياً من كل شيء تقريباً، ولو أرادت لاستطاعت أن تكون حيادية وتركت العالم يسبح بمشاكله التي لا تنتهي ولن تنتهي بسهولة، لكن بطبيعة الحال تقع مسؤولية إنسانية وأخلاقية على القوي والثري، وهو ما فعلته عبر عدة عقود.
جدير بنا، بأنه لا يجب علينا أن ننسى، أن أميركا أيضاً دولة وفيها تيارات وصراعات على السلطة وخلافات عميقة داخل مجتمعها، هذا مسلّم به، لكن ما يتفق عليه مواطنوها من صون للحريات، الديمقراطية والعدالة، جعلهم مميزين في الكثير من المجالات الإبداعية، واليوم بعد هجوم روسيا المخزي على أوكرانيا فإن البشرية تراجعت خطوات إلى الخلف. فوريثة الاتحاد السوفياتي، تعيش تحت وطأة التاريخ وحالها، كحال البشر، عندما يصلون إلى القمة ويسقطون، يعيشون على بقايا ذاكرتهم وأمجاد الماضي ومحاولة استرجاع ما فقدوه بأي طريقة، لذلك أستطيع القول، نعم العالم سيتغير ومع بروز الصين، ذلك العملاق الفقير، الذي أصبح غنياً، فهو أيضاً يريد دوراً له رغم الغرق الهائل في العقلية مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً، وبطبيعة الحال، أغلب البشر سيسوقون لهذه القوة الصاعدة لعدة اعتبارات، يريدون تجربة واقع جديد ونظام جديد حتى لو دفعوا ثمن ذلك، فسنّة الحياة التغيير الدائم.
غير أن روسيا مع بوتين اليوم، ومحاولة تعويم العرق السلافي، والصين ونظامها ذو الحزب الشامل الواحد لن يرقوا إطلاقاً إلى مستوى الغرب برأيي، الذي سمح لنفسه بتطوير أفكاره وطريقة عيشه بموازاة تطوره العلمي والاقتصادي والاجتماعي، ولم يقايض بين الإثنين، وهذا ما لا نجده إطلاقاً لدى الصين وروسيا والهند مثلاً، وإذا كانت أنظمة هذه الدول تروّج لفكرة حماية جنس بشري معين أو لغة معينة أو لون معين فهذا يعني أنهم خسروا المعركة منذ البداية ومن الداخل قبل الخارج، فيمكن لهم أن يربحوا معركة عسكرية أو تطوير منتج معين أو بناء الأبراج والطرقات، لكن ما لا يستطيعون وقفه هو إعادة عقارب تطور البشر إلى الوراء، وجعلهم مقيدين، فسموّ النفس البشرية وإعطاؤها الحق في اختبار طريقة عيشها وحريتها وحمايتها وتأمين العدل والأمن والأمان للفرد وشعوب الدول هو خيار الشعوب الأخرى عاجلاً أم آجلاً، والتغيير سيأتي أغلب الظن، من الداخل وهو ما سيجعل الغرب يربح حتى لو خسر معركة، فالانتصار هو ربح للأفكار والابتكار والاحترام، وتوازن العلاقات بين الأفراد وبين الأفراد والدولة على السواء، ولربما سيشعر القيمون اليوم على هذه الدول بمرارة وعلى أغلب الظن في لحودهم، فالواقع هو أنه لا محالة لوقف العطش البشري باتجاه الحريات والعدالة، وطبعاً لي العديد من الأمثلة من الاتحاد السوفياتي إلى فيدل كاسترو إلى السعودية اليوم مع الأمير محمد بن سلمان. فمن كان يعتقد في عام ألفين أن السعودية ستكون على ما هي عليه اليوم؟ ومن كان يعتقد أن الإمارات وإسرائيل ستصبحان حليفتين؟. ومن كان يعتقد أن فرنسا وألمانيا ستصبحان كالبلد الواحد.
خلاصة، وما أريد قوله، يسعى بوتين اليوم لتخليد اسمه في التاريخ الروسي، واستطاع إظهار وجه سمح للناس بالاعتقاد أنه يحب روسيا، ولكن واقعياً هو يحب نفسه بدرجة لا يتخيلها عقل، وبنى لنفسه قصراً بمليار دولار ويقال ثروته تفوق الـ 100 مليار دولار، والرجل يدير دولة عظيمة على طريقة المافيا وحكم الرجل الأوحد، ولمن يعرف الثقافة والعقلية الروسية، يستشف ذلك بكل بساطة، وبأفعاله حرك خوف الشعوب الأخرى التي ستبحث عن الردع للحفاظ على حرياتها وطريقة عيشها وحدودها... ثم وماذا يعني أن تحب شعبك؟ ماذا عن الشعوب الأخرى؟ يسأل الكثيرون هذا السؤال وضمناً داخل بلده، لذلك فالتغيير قادم لا محالة.