إنّما البحرُ للعشّاقِ لا تشركوا بالحبّ أحدا..ينفذُ في مساماتِ الرّوحِ رقصاً كعازفِ النّايِ يقطعُ البوادي محجوباً بالغيبِ ردحاً... غلبه الشّوقُ المستبانُ ما هطلَ الغيثُ عليهِ رزقاً أو غمّاً... إنّما العاشقونَ ندمانُ الرّيحِ فلا تسقطْ من أمرهم مدحاً ولا ذمًّا... في الصحراءِ ينغلُّ دغلُ الطلسمِ المخفيِّ في كفّ الواحاتِ مدداً... والبحرُ غافلٌ عمّا يفعلون... علّمني ما لم أعلم... تهاوت مناجله في سأم الرحى، تغمد طلاسمها في عرق الموت، حتّى غيّبني غورُ العدم... سلّمني مفاتيحَ الغيب لوشم الظلام الأبدي... حيث نصنعُ الأحلامَ لتهلكَ في فكّ الرخام... كبر هو وتلاشيتُ أنا... توقّف عن الارتحال ولم أكف عن الارتجال... رسمَ لي أحجيةً مستعصية في زُمرةِ النور، وسرّب من ضلع الريح نابَ الغاب المسحورِ فبكيت... علّمني ما لم أعلم...فظلّل الغيمُ نهرَ أشجاني، وهزّت أفنانُ الحنين وجداني الصارخ... علّمني... ليحيا هو وأهلكَ أنا... البحرُ البحرُ لا ملكَ إلّا هو السادرُ في طيّ الغيب... في دساكرِ موجهِ حناجرُ الوجد تصدحُ مرابطةً للوعدِ القدسي... وفي جوقتِهِ الرّحمةُ التي جفّت من دم البشر... من ذا الذي يسعى إليه بالرّشدِ إلّا بحلمِه، له أفلاكُ الرّيحِ والصمت، ولا يعجزُهُ القهرُ وهو الغلّابُ الآسر... لا إنصافَ في الهوى قد تبيّنَ الهجرُ من الصّبر، فمن يعملْ بميثاقِ الحُرقَةِ بحِرفَةِ الرّملِ فقد نجا... في فنجانِ الغجريّةِ موعدُه... البحرُ لا مرجعَ إليه إلّا دمعُه يَهرَقُ مواسمَ العمرِ في سُرادِقِ العودة.. يهرَعُ لمدٌهِ الغروبُ أشواطاً... وأحلاماً...