أيّها القادة، يا من أُصبتم بجنون العظمة والسّلطة والنّفوذ وتكديس الأموال والثّروات. يا من أعمت الأحقاد والكراهية والمصالح أعينكم، نحن شعوبكم الصّامتة والمغلوب على أمرها، نهديكم ألف لعنة ولعنة، نهديكم، دعوات الأمّهات، حرقة قلوب الأبرياء ودموع الشّيوخ والأطفال.
نهديكم أيضاً، خصلات شعر نساء الأرض الثّائرات، تضعونها على وجوهكم شوارب، علّكم تصبحون رجالاً.
من أوكرانيا إلى أفغانستان إلى أرمينيا واليمن وليبيا، إلى العراق وسوريا وإيران وإلى كلّ جبهات القتال والحروب. إلى وطني المنكوب لبنان، نهديكم أيضاً وأيضاً:
صور الموت من مراكب الهجرة غير الشرعيّة في البحار. صور القتلى والدّمار والمآسي في كلّ رقعة أرض خضراء حوّلها حقدكم إلى رماد.
كم حرفاً يلزمني للوصول إلى ضمائركم الميّتة، إلى قلوبكم المتحجّرة، إلى عيونكم المنطفئة؟
كيف أخبركم أنّ الأطفال والناس يموتون من الجوع والفقر والمرض والأوبئة في أفريقيا وغيرها من المناطق والدّول، وأنتم تصرفون المليارات لصنع الأسلحة والمعدات الحربيّة والأسلحة النوويّة؟
ألا تشاهدون ما اقترفت أيديكم؟ أنتم ترتكبون مجازر ضد البيئة وضد الإنسانيّة.
شكراً لكم، لقد حوّلتم عالمنا الجميل والأخضر، إلى جهنّم حقيقيّة. شكراً لطوق الياسمين الأبيض، طوق السّلام الّذي داسته عجلات دبّاباتكم وسحقته قنابل مدافعكم وأسلحتكم وطائراتكم المدمّرة.
كفى… بربكم، لم نعد قادرين على المضيّ وتحمّل تبعات أطماعكم، جنونكم، جشعكم واستهتاركم.
قلوبنا تنزف، دموعنا لا تجفّ.
أكتب، لعلّ ضجيج الوجع والموت، صراخ الأبرياء ودماءهم تصل إلى مسامعكم وتلامس ضمائركم.
بماذا أبدأ؟ عن أيّ مأساة أتحدّث؟
عن وطني لبنان، الّذي ينازع الحياة؟ عن شعبي المنكوب الّذي يعاني الأمرّين، يموت من الجوع والذل والمرض والبطالة ومن السّلاح المتفلّت والفوضى والفساد والهجرة؟
أم أحدّثكم عن الحرب الأوكرانية - الروسيّة، والتي على شفير أن تتحول حرباً عالميّة ثالثة ونوويّة؟
عن شباب يموتون ويفرّون من الجبهات ومن وطنهم، وآخرون ينتحرون كي لا يلتحقوا بالحرب العبثيّة الدّائرة هناك؟ أم عن الخسائر الًّتي لحقت بالاقتصاد العالميّ جرّاء الحرب، وعن حجم الدّمار الذي لحق بالمدن الأوكرانيّة؟
أم أكتب عن البطالة والتضخّم والغلاء وانعدام فرص العمل والبطالة والفقر والمجاعة والقمع والقتل، وعن قسوة الحروب والأزمات الاقتصادية والبيئيّة والصّحية؟
دعوني أحدّثكم عن العنف والقتل ضد المرأة في الشرق خاصة. عن ثورة المرأة أتكلّم، عن قتل وتعنيف مهسا أميني، عن شابات وفتيات إيران، كيف ثرن وقصصن خصلات شعورهنّ ورمينها في النّار، يتحدّين ظلم أحكام الدّين وذكوريّة السلطة وقمعها، ومصادرة حرّيّة الرأي والتعبير.
عن قتل الطّفولة وبطش السّلطة في فلسطين أتكلّم. عن مشهد الّذين يبحثون في حاويات النّفايات، في الشّوارع، عن بقايا لقمة تسدّد رمق الجوع والفقر في بطون خاوية. عن نضال كلّ شعوب الأرض ضدّ الظّلم والفساد والقمع والقتل.
سرقتم أعمارنا، فرحنا، أحلامنا ورقصتم فوق جراحنا، أوجاعنا ومآسينا. هل جرّبتم شعور الانطفاء من الدّاخل؟ أنتم … هناك في أبراجكم العاجيّة، لا تدركون حجم ما بداخل قلوب شعوبكم من معاناة.
رغم تعب هذه الأيام، رغم رغبتي في الصّمت والانعزال عن الكتابة ومتابعة نشرات الأخبار، رغم ابتعادي عن كلّ شيء، ورغم الحياة الّتي صنعتموها لنا والّتي لم تعد تبهرنا وفقدت بريقها في عيوننا، سنقاوم ولن نستسلم لجنونكم وأحقادكم.
تتدافع الخيبات على أبواب قلوبنا، إحساسنا، كحطام يحاصرنا الدّخان.
في كلّ ركن حريق… في كلّ زاوية قتيل… في كلّ مدينة جبهة.
نجاهد كي نتخطّى ونحيا رغم كلّ ما يدفعنا للاستسلام والموت، فالجرح غائر وقد أصاب الوريد.
سنستعيد أحلامنا من أفواه مدافعكم، ضحكاتنا من تحت عجلات دبّاباتكم، وحياتنا من براثن أسلحة دماركم الشّاملة. ستعيد الشّعوب بريق الحياة وألوان الفرح والأمل لسماء وأرض أوطانها.
ليتنا نستطيع أن نبني مدناً، تشبه قلوب الأطفال، نخبّئ فيها كلّ الّذين نحبّهم، أوطاناً لا تهاجر منها الطّيور والعصافير، مدناً لا تعرف الحروب والموت والكراهية، لا تعرف الدّموع و الأحزان.
رغم كلّ هذا الدّمار من حولنا... ما زال الله ينقذنا، في كلّ مرّة ظننّا أنّها النّهاية.
أيّها القادة والحكّام الموتورون بالحروب والقتل والدّمار، لسنا بخير، أيمكن لكم أن تهدونا من توبتكموغيابكم وشاحاً نضعه على رأس الإنسانيّة؟ ووساماً نعلّقه على صدر الحقّ والسّلام والعدالة؟