فُجِعت الساحةُ الفنيَّة العربية، بوفاة عميد الدراما السورية، الفنان القدير بسام لطفي، فجميعنا يعرف، محطاته الفنية الخالدة، وعرفانًا منَّا بالوفاء لصاحب تلك المسيرة الفنية الخالدة، وتقديرا لموهبته المسرحية والسينمائية الكبيرة؛ يحضرني هنا وبقوة، ذلك الحوار الذي أجريته معه في عام 2018، وقتها خصّني بصور حصرية ولم تتسع رحابة صدر الإعلام في وقتها، لمعرفة قيمته ومن ثم لنشره، وكانت الحجة حينها الأوضاع في سورية! رغم أني لم أتطرّق مع الفنان القدير للحديث عن السياسة؛ ولكن أحياناً ربط الأمور في غير محلها، يُفقد المحاور الصحافي إبداعه، وهذا ما حدث، ولكنّي مؤمنة تماماً أنّ الحوار الصحافي مهما كان قديماً يبقى مرجعاً يُستفاد منه، خصوصاً إذا كان الضيف فنانًا قديرًا.
مرَّ الفنان السوري الكبير والفلسطيني الأصل، بسام لطفي أبو غزالة، بمراحل صعبة في بداياته قبل دخوله عالم الفن؛ واصفًا المرحلة التي عاشها " بالذكرى"، وكأنه لا يريد الخوض في تفاصيلها أثناء حواري معه، وكان أكثر ما يحرص الحديث عنه، هو فنه ومسيرته التي امتدت خمسين عاماً! وعلى الرغم من قلة الحوارات الصحافية التي أجريت معه، إلا أنَّه خصَّني مشكورًا في عام 2018، بهذا الحوار، وقد تحدث فيه عن أبرز محطاته الفنية، والأسباب التي أدت إلى عدم انتشار الأعمال السورية، ورأيه بالسينما والمسرح، وخصوصًا رأيه بمسلسل باب الحارة.
وعندما طلبت من الفنان الراحل أن أجري معه الحوار، كان - رحمه الله - ملتزماً بالموعد، وقد أبدى موافقته بلا تردد، وبعد أن قرأت على مسامعه النقاط الرئيسة للحوار، وافق.
وكنت سألته ما إذا اكتسب من والده الموازنة في اتخاذ القرارات الأمر الذي جعله ينتقي أعماله بدقة؛ قال أنّه استفاد من خبرة والده ووصفه بالأستاذ الحكيم، وأضاف، بأنه لا يقبل أيّ دور لا يحقق له أيّ إضافة على أدواره السابقة.
وعن حياته الصعبة التي عاشها منذ طفولته بفترة زمنية معينة؛ والتي وصفتها له في ذلك الوقت بأنها أشبه بفيلم سينمائي قال لي بجملة واحدة: "تبقى الأيام التي عشتها ذكرى بالنسبة إليّ، ولا أعتقد بأنها كانت صعبة".
وأما عن النجاح الباهر في فترتَي الستينات والسبعينات في المسرح، رغم الأدوات البسيطة، والإهمال الإعلامي الواضح بحق الفنان الموهوب آنذاك؛ كان ردُّه، أنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين ما قدمناه سابقًا، وما يُقدم الآن، كنا نقدم أعمالًا مسرحية تضم ما لا يقل عن عشرين أو ثلاثين ممثلًا، بينما الآن ابتعد الكثيرون عن المسرح واتجهوا إلى العمل التلفزيوني، لذلك أصبحوا يقدمون أعمالًا بممثلين أقلّ عددًا وثقافة، فلم نعد نرى الأعمال القوية التي كنا نقدمها.
وقد طالب بعودة المسرح أي الأعمال الضخمة، بقوله: "يجب أن يعود كما كان في الستينيات والسبعينات." وفي سؤالي عن الإهمال الواضح من بعض الدول العربية للممثل والذي يصاحبه عدم تقدير لكفاءته الفنية إلّا بعد انطلاقها عالمياً، قال أن الإهمال موجود إلى حدٍّ ما، والمحظوظ من يصل إلى العالمية، رغم أن هناك الكثيرين من الذين يستحقون الوصول إلى العالمية فعلًا؛ منهم على سبيل المثال، عابد فهد، تيم حسن، قصي خولي، مشيرًا إلى أنه قدّم للسينما الأعمال الجادة وكان يرفض العمل بالأفلام التجارية التي غالبًا ما كانت هابطة.
وأضاف أنّه يضع اللوم على كل من قاطع الأعمال السورية؛ لأنها برأيه الأولى على المستوى العربي، وما تطرحه من أفكار تهمُّ كلَّ مواطن عربي.
وعن لقائه بزوجته قال: "كنت وقتها أحد مؤسسي فرقة مسرحية، مع الممثل عبد اللطيف فتحي، وكان مقر الفرقة إلى جانب بيت الفتاة التي أصبحت زوجتي، وقد كانت معجبة بأعمالي التلفزيونية! وتمَّ النصيب بعد ذلك بعدة أشهر".
وفي آخر سؤال لي، عندما تشعر بالحزن أو الندم على أمر معيَّن، لمن تلجأ؟ وبماذا تحلم اليوم؟ قال: "احتفظ بالألم أو الحزن لنفسي، ولا أشارك به أحدًا (كل واحد همه بكفيه) وأملي أن يمنحني الله الصحة، لأتابع مسيرتي الفنيَّة حتى آخر يوم في حياتي."
رحم الله الفنان القدير بسام لطفي، الذي نقش رسالة إبداعه بموهبته الفذة وكفاحه الطويل؛ لتشرق بأحرف من نور أعماله الهادفة على صفحات الحضارة الإنسانية. العزاء كلُّ العزاء لعائلته الكريمة ومحبيه.