أكثر الأمور المتعبة المنهكة للروح والجسد هي أن تتواجد بين جموع كثيرة، تتحدّث معهم، تبتسم لهم، وأنت بعيد كلّ البعد منهم، غريب وحيد، وفي أعماقك لغة، كلمات وأحاسيس لن يفهمها أحد، ولن يشعر بها أيٌّ منهم.
يجري في وتين فؤادك حبّ العطاء، التضحية والإبداع كاشفاً نوره بفرح للآخرين فيرونه مجرّد وهم وجهل ومرض. تتمنّى أن تلقى روحك عبارة حبّ وتقدير، ولو كلمة ملوّنة بالحنان والاهتمام، فلا تجد سوى غضّ النظر عنك، وتجاهل شخصك، وكأنّك لست سوى ضباب أمام دربهم؛ يتخطّونك، من دون أن يلمسوا قلبك، ولا يدرون ما يختلج في حنايا مهجتك.
تعود إلى ذاتك، تتأمّل كلّ ما يجري من حولك وما يتخبط في قلبك ويدور كزوبعة في فكرك، فتنسحب رويداً رويداً من دون ضجيج؛ وبهدوء مقدّس معطّر بنسيم السماء، تغادر إلى موطنك حيث يغرّد هناك مداد قلمك على أفق الحياة لغة الروح للعالم، للأجيال المقبلة، للأبد...