النهار

العصفورة المسجونة
مرّت سنون وقرون وهي في القفص تحيا بصمت يكسره بعض التغريدات الحزينة
A+   A-
مرّت سنون وقرون وهي في القفص تحيا بصمت يكسره بعض التغريدات الحزينة. أحلامها البريئة تلاشت شيئًا فشيئًا واضمحلّ لونها فأصبحت باهتة كنقش قضبان سجنها القديم. طموح تحليقها نحو الفضاء قد سقط في وهاد اليأس، وزقزقات الفرح اندثرت في زوبعة الأيام القاتمة الحالكة.
وفي أحد الأيام استيقظت فرأت باب القفص مفتوحًا وطائر طفولتها أمامه. لم تستوعب الحدث الجليل في بادئ الأمر وتصبّرت تتأمّل الطائر صديق روحها وهو ينظر إليها بعطش كبير، الى لقياها بعدما حجبتهما المسافات والسنون عن بعضهما بعضًا. هطلت أمطار البهجة على قلبيهما وانهمرت دموع الفرح كشلّال تفجّر فجأة من بين الصخور. لقد كان لقاء عظيم اتّحدت فيه الروح لتصبح واحدة بينهما. صاحت المشاعر الصادقة بالتهاليل والزغاريد، ورفع الحبّ الطاهر راية الانتصار على الأقدار التي فرّقت ما بينهما لزمن طويل، ولكن بقيت العصفورة لا تجرؤ على الخروج الى الحرية، حتى كادت تنسى أنّ الباب لم يعد مقفلًا وكأنّها تصبّرت في مكانها. في كلّ مرّة يأتي الطائر الصديق ليحثّها على الخروج والطيران معًا، في عالمهما معًا تحت الشمس، إلّا أنّها تقترب خطوة ثمّ تتراجع، فالخوف والقلق كبّل حبّ الحياة في أعماقها، وجمّد الجرأة والشجاعة في روحها، ولكن يومًا بعد يوم كان الحبّ الوجدانيّ العظيم يزهر القوة والثقة بينهما، وينثر نفحات روحيهما الواحدة فيزيدهما اتّحادًا وصلابة واندفاعًا، الى أن بزغ شفق الانتصار وشعّ نور الرجاء فمسكت يده وخرجت من باب العبودية ثمّ طارا في فضائهما نحو البعيد، نحو عالم واقعهما الذي كان حلمًا في ما مضى.



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium