المسلسلات أو الأفلام البوليسية الخالدة، والتي تأسرك بأحداثها وحبكتها الدرامية، أو تلك الأعمال التي تأخذ الطابع البوليسي، وإن لم تأخذ حقها في الانتشار، فإن هناك مَشاهد معبرة بأداء تمثيلي محترف؛ تكون بمثابة المنقذ، وعندما نتحدث هنا عن أقوى المسلسلات الأميركية البوليسية يخطر في بالنا على الفور، المسلسل الأميركي (المحقق كولومبو) الذي برع فيه الممثل (بيتر فولك) بدور المحقق الذكي، وهو غني عن التعريف. وقد تميز به.
ويدفعني الحديث هنا عن الانطلاقة القوية لمسلسل (بيروت ٣٠٣ ) في حلقاته الأولى! وقبل البدء عن ترجمة بعض المشاهد المهمة، كنت وقتها كمشاهدة، أنتظر العمل وأترقبه بفخر، فمع عرض الحلقات الأولى، شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلاً وإعجاباً من الجمهور، وهذا غير مستبعد طالما أن الممثلين اختيروا بعناية.
لم أستطع الحكم من أول حلقة تشويقية، تأنيت وتابعت الحلقات وصولاً إلى الحلقة التاسعة؛ وحتى الآن الحبكة الدرامية بوليسية بامتياز! وهي الأقرب إلى العالمية! إذ جمعت بين الإثارة والتشويق، وتلتها بعض المشاهد التي اتبعت طريقة الفلاش باك وإن كانت بسيطة جداً.
إن حادثة عبير المؤثرة، خطيبة طيف، والذي يقوم بدوره معتصم النهار، التي توفيت على إثر سقوط الطائرة المتجهة من تركيا؛ كان الحدث الأبرز في أولى الحلقات، فكان المشهد الذي بدا فيه معتصم وهو يسأل عن حال خطيبته، يبدو مشهداً حقيقياً، عين المحب الخائف المتألم كانت تتحدث، ومشهد لقاء تاج التي قامت به سلاف معمار وهي تطلب من طيف المساعدة، بينما هو ينظر إلى خطيبته بصمت، كانت لحظة بكاء عند وفاتها مؤثرة، ورغبة الانتقام والألم والتحدي، كانت واضحة بشكل احترافي.
ومابين الانتقام والبحث عن المجهول، كانت المشاهد الرومانسية حاضرة بين تاج وطيف، مثل مشهد الحاجة والاشتياق الصامت، ثم الندم والعودة والحنين إلى حالة الحب، تلك المشاهد الصامتة التي كانت الأقرب إلى الصدق نفتقدها في بعض الأعمال الدرامية، ولا يجيدها أي ممثل، إن غياب الحوار وحضور المشاهد الصامتة، من أكثر أنواع الفنون صعوبة! وإن استخدام لغة الجسد، أو العين، والقدرة التعبيرية في هذا المشهد، كانت أبلغ من ألف كلمة حب. وهنا تحضرني مقولة الممثل الفرنسي مارسيل مارسو "ما يفعله النحاتون هو تمثيل جوهر الإيماءات ..المهم في التمثيل الصامت هو الموقف".
هذا المسلسل يحمل فكراً فلسفياً مهمًّا ومشوّقاً وهو الصراع بين السلطة والضحية، يجعلنا نخرج بإجابات وأسئلة كثيرة.
الجميل في هذا المسلسل، هوالجانب التصويري المحترف، والحبكة البوليسية بتفاصيلها، وبغض النظر عن الدور الرئيسي لكبار الممثلين في المسلسل، فإن الدور الذي قام به معتصم النهار في بعض المشاهد الصامتة، وشخصية الرجل المحطم والقوي، وحالة الحب الصامتة إلى جانب الرجل الذي يتحقق بنفسه عن القاتل؛ إلى جانب سلاف يوصلني لِأن أراه يوماً في دور الأكشن، أو المحقق المحترف.