(أجنحة المخيم)؛ مجموعة قصصية للكاتب والقاصّ الفلسطيني محمد حسين، والصّادرة عن دار كنعان في دمشق.. وخلالها رسم القاصّ حسين الوجع بريشة مبدع، عاش التفاصيل، وافترش أشواك المخيمات، وله أعمال أخرى ومنها رواية الطريق إلى الوعر.
أجنحة المخيم
(أجنحة المُخيم)؛ عنوانٌ لمجموعة قصصية يقبع بين دفتي غلافها أربعون نصاً قصصياً نازفاً، يعيش شخوصه وجع الشتات وطين المخيمات، لعنة الخيام وشجون الحنين، وفي عيونهم يسكن الوطن، وفي قلوبهم سحابات حزن تمطر تحملاً وصبراً وأملاً لطالما رأوه على مرمى حجر.
وعند العنوان نقف؛ (أجنحة المخيم)؛ عتبة نصيّة أولى للعمل القصصي الذي يرقى لأن يكون مادةً درامية، تنسج خيوط الهمّ وتتشابك فيها المأساة والرّؤى والآمال.. فالمخيّم هو المكان الذي جمع شتات من خرجوا من ديارهم مخدوعين على أمل عودة قريبة،
و(أجنحة)؛ رمز حرية وانطلاق أبى من خلالها الكاتب الاستسلام، فالمخيم مهما استطالت حبال الزمن فيه سيبقى مكاناً مؤقتاً، ومنه ستكون انطلاقة الثورة والأمل والعودة، ولن يكون مكاناً بديلاً للوطن.
وبعناوين جاذبة للسرد القصصي، كان القاصّ حسين يميل إلى حضور شاعريّ من خلال العنوان لكل قصة، ومن خلال المقدمة التي تُتلى كقصيدة تعجّ بالصور والمشاعر الدافئة تارةً والحزينة التي تنزّ حنيناً وألماً تارة أخرى، مصوّراً معاناة الجميع وخاتماً النصوص القصصية بحكم وأقوال غاية في التأثير والإدهاش: (من غبار أكياس الإسمنت تصنع حياة)، (المخيم مكان مذهل في كل زقاق منه حكاية وتاريخ).
عن المكان
توزع المكان على مفصلين بشكلٍ متداخل ومركّب، ودارت حوله الأحداث بين صعود وهبوط للصراع في النص السردي... مكان مؤقت داخلي: وهو المخيم، والمدرسة والغدران والأسواق، ومكان عام: تمثّل بالوطن الكبير ابتداءً من فلسطين والأردن (الرمثا)، وسورية أضف للعراق في ذكر منفى المنفى لبعض الشخوص، ليكون المكان هو العمق الذي اعتمد عليه الكاتب في تفاصيل السرد القصصي، لأن الصراع أصلاً قائمٌ على المكان المرتبط بالوجود والاستمرار.
عن الشخصيات
كانت الشخصيات حاضرةً وبكثرة، واللّافت هذا الكم الهائل من الشخوص الحقيقية المتداخلة الفكر والرؤى، المنسجمة اجتماعياً، المترابطة مصيرياً وأخلاقياً، وقد أكثر الكاتب من الأسماء ليضفي مصداقيةً على الأحداث... بينما الزمان: خادع، متطاول، يلفّه الانتظار المبهم، بدأ بيوم لينتهي بثلاثين سنة.
أما الحوار: فجلّ القصص تميل بكليتها إلى الحوار الرشيق، والممتع، الهادف، باللهجة المحلية المحببة، وقد تنوع بين حوار مباشر بين الأشخاص.
عن الحدث
تدور الأحداث حول معاناة شعب هُجّر من أرضه، وراح يلوك معاناة الغربة والفقر والعوز، يحتال على الحياة، ويرى في العلم والمقاومة الوسيلة المثلى لاسترداد الحقوق.. كانوا على قلب واحد، ووجع واحد، وأمل واحد، نسوته الماجدات أرضعن جيلاً مغيباً عن أرضه عشق الأوطان وتفاصيل البلاد ليحضر بشكلٍ كبير في قصص وحكايا البلاد، أهازيجها وذكرياتها، زعترها وطيونها وزيزفونها، رائحة القهوة المرة والمهباش والسيباطة بتفاصيل دقيقة، وقف عند صورة المرأة وشقائها في المخيم، صورة الطفولة، ومنظمة الإغاثة، أضف لوصف (داود الدرويش) الصاخب الذي لا يخلو أي مكان درامي من وجوده، وكان هناك أيضاً استنباط للشخصية الغامضة كما في قصة صمت الأخوين، والموت الهادئ الذي لفّ رحيلهما، لتكون الحوادث مرتبة على نسق تاريخي ونفسي واضح، والتغيرات الحاصلة من بداية الحبكة حتى نهايتها مقنعة ومؤثرة ومتماسكة... فالسرد يقوم على أزمة وجود، مصوراً لحكاية لها بداية ووسط ونهاية.
عن اللغة
لغة الكاتب متنوعة، كما الأحداث والأمكنة، تدرّجت بين العامية والفصحى، لتكون أقرب إلى عمق القارئ، إذ استخدمت بجمال ووظفت ببراعة، إذ تعج النصوص بالصور وشطحات الخيال المجنح، والوصف المترف الذي وظّف في نقل حالة المخيم المزرية والفقر الذي يغرز مخالبه في عمق أبناء المخيم كإسفين.. ومن أمثلتها الكثيرة:(الريح التشرينية تضرب أضلاع البيوت بقوة، تعزف على جنبات ألواح القصدير التي تغطي النوافذ)، (كانوا يسرقون الفرح من بين أسنان الوجع)، (سلام ذلك العربي القابض على عنق التاريخ)، (العرق بدا على وجهها كخيوط الفجر الصاعدة من رحم الليل)... وأجمل ما ميز هذه المجموعة التركيز على الأمثلة والكلمات التراثية (مابحرث الأرض غير فحولها، زيتون جنين، برتقال حيفا ويافا وعنب الخليل.)... كما استخدم الكاتب لتقنية التناص في قصة (حلم لم يتحقق) عندما أحالها إلى العمل الأدبي الشهير (رجال تحت الشمس) لغسان كنفاني، عندما قالت نهى لماجد الذي خاف أن يطلب يدها لأنها ابنة مدينة وهو ابن الريف: هذا شيء موجود لكن كان علينا المحاولة... (يجب أن نقرع جدران الخزان حتى لا نموت هكذا قال غسان كنفاني)، وأنت لم تدق الباب فتحطم حلمك... وهكذا بقيت حكاية المخيم جرحاً نازفاً ينتظر الغد البعيد ربما ليندمل الجرح بالعودة وقفل ملفات الشتات والوجع.