النهار

عودة الوجود
هل أنا في حلم أم أنّه حقيقة؟
A+   A-
هل أنا في حلم أم أنّه حقيقة؟
انتفضت نفسي من وهاد أعماقي، وصرخت بتلك الكلمات مراراً وتكراراً، وكَأنني كسرت الزمن بيد، ومحوت المسافات بيد أخرى، وها قد عدت لعشرات السنين إلى الوراء، إلى ماضٍ أصبح حاضراً بلمحة بصر، فما كان مستحيلاً بتُّ أحيا به وأتنفّسه؛ ها إن قوة خارقة دخلت إلى حنايا روحي! رياح من السماء هبّت على فكري وفؤادي، فسطع نور الحياة في وجداني من جديد، بعد ظلمات حالكة غطّت مروج أيّامي، وأقصت عن الإنسان في داخلي كلّ حلم وأمل ومبادئ، وخنقت مهجتي بالدّموع الحارقة باليأس القاتل، والبؤس المدمّر لوجودي.
إنّها هي...خفقت روحي للحظات غلياناً كبركان اشتعل بعد موت رحيم، ثمّ هدأت بصمت مهيب غلب الليل بسكونه، وفرَشَ في ربوع روحي تأمّلاً مقدّساً مبجلاً بالفرح والأمل، ومعطراً بمشاعر الحنين والصدق والطهارة. إنّها هي "ملاكي"، بعد قرون أبعدنا فيها القدر عن بعضنا منذ زمن صبانا، حين اتّحدنا بروحينا وشرعنا، فبنينا معبد رابطنا الطاهر ليحميها، فأحطناها بالورود وبالأزهار؛ فكانت السّماء سراجنا، والكواكب مرتعنا، وكان العالم بأثره مجرّد حصاة لا أكثر على دروبنا، إلى أن استفرس القدر بنا، وسلّط المجتمع كلّه بمادياته وأفكاره المقيتة وتقاليده الباهته الظالمة، فغرز أنيابه في مصيرنا، ورمى كلّ منّا في بقعة بعيدة، فتشرّدت أحلامنا، وتبدّدت كلّ آمالنا، فبتنا ضائعين نتجرّع الحزن والألم في سجن الموت البطيء.
اليوم، عدنا يا إلهي بعد سنين طويلة، والتقينا كالبرق، وأشرقت شمس صبانا مجدّداً، وعاد ذاك الفتى الطيب يركض نحو تلك الفتاة الجميلة البريئة، ليغزوا مروج الحياة بنبضات قلبيهما، ولينثرا مشاعر القيم والإنسان في فضاء الحياة، ويلونا دنياهما أملاً بأقواس قزح ذكرياتهما السّاحرة التي تعكس قطرات أحاسيسهما المرهفة الصادقة النبيلة.
نعم، إنها حقيقة أرادتها الملائكة هدية سلام وسعادة لنا بعد اجتراع عذاب مرير، ووجع شديد، لمرحلة كبيرة من عمرٍ بدأ يلفّ جلباب الشيخوخة على جسديهما، ولكنه لم يفطن إلى أن روحهما الواحدة فتيّة أبداً، ولا تموت، لأنها ليست من هذا العالم...


الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/26/2024 4:28:00 AM
الحديث عن قيام لبنان الجديد بيد إسرائيلية، هو وهمٌ يتوجب الكف عن التفكير فيه. لن يكون لدى الآخرين وقت للبكاء على لبنان، إن لم تدمع عيون سياسييه له!

اقرأ في النهار Premium