أجواق الملائكة اجتمعت مع الطيور المغرّدة يهلّلون، ودروب فُرشت بالزنابق، بالورود والرياحين. سراج قمر دافئ نشر نوره على وجهينا فأشعل نظرات أعيننا. كانت لحظات لقاء خلقته الآلهة لنا، لروحنا الواحدة، فكان عرس الاتحاد وملتقى التفاهم والانسجام.
نعم، كان حلماً، وشبه مستحيل أن يولد هذا الحدث بترتيباته وظروفه ومكانه وزمانه، حين يغيب كلّ العالم من حولنا، ولا يبقى إلا أنا وهي، ولكنّه تحقّق؛ وكأن السّماء أرادت أن تكافئنا على براءتنا وإيماننا وحبّنا الصادق الوجداني، وأن تقوّي ثباتنا على مبادئنا، وترسّخ فينا ما انطبع في قلبينا عند لحظة تفاهم روحيّ.
لقد كانت صبية صغيرة، فتاة ساحرة تستقبل فتاها الفرح المبهر بجمالها وبسحر وبهاء روحها.
جلسنا معاً في العراء تحت رداء الليل المرصّع بالنجوم، فخلعنا ثوبَي جسدينا على شاطئ الخوف، وسبحنا معاً في بحر الأسرار بمياهه الحارّة؛ تحدّثت أفواهنا حكايات أحزاننا وأفراحنا وتاريخ وجودنا في هذه الأرض، وباحت أرواحنا بأسباب آلامنا وقوّتنا وأهمّية كياننا في هذه الدنيا. تكلّمت أعيننا لغة أخرى، ترجمتها نظراتنا في قلبينا بإحساس نبيل ومشاعر حبّ طاهر. مرّ الوقت بسرعة، فشعرت برضاها وبسعادتها تخفق في ابتسامتها والتفاتتها إلى وجهي، فمن عطر فؤادها تنشّقت الحياة.
في تلك الأثناء، اقتربت روحي من شعرها الفاتن تسرّحه، ومالت يدي نحو خدّها الناعم تداعبه وتمسح دمعة التعب والحزن عن قلبها.
وسط ظلمة الليل شعّ نور عينيها نظرات مفعمة بأحاسيسها وحنانها، فتسربلت في كياني شعوراً ساحراً، أدركت أنّني إنسان أكبر من الكون أجمع بنضوجه، بحكمته وقوته، وطفل فرح تغمره البراءة والصّدق في كلّ ما يتفوّه به. اغتبطت روحي بفخر، وأزهرت على شفاهي ابتسامةٌ، أدركتُ أنّني أمام أجمل امرأة في العالم، وأنني أنظر إلى أروع وأعذب روح في الأرض. اقتربت أنفاسي منها ممسكة بيدها لتقترب من فؤادي، فدنت بهدوء، ثمّ اتّكأت برأسها وهمومها على كتفي. وكم جميل حينما ضممتها بروحي إلى صدري، وخبّأتها بين ضلوعي من أنياب البشر وظلمهم إلى الأبد!
نعم، هي لحظة أزليّة تباركت بنجوم السماء، وبنور قمرها، وتكلّلت بأنفاس روحنا الواحدة، تاركة أصدق المشاعر تراقص السعادة على أنغام سكون الليل الجميل...أنت أنا.