كثرٌ هم النواب الذين وصلوا إلى كرسيّ البرلمان بالصدفة، إذا جاز التعبير، حتّى أنّ بعضهم وصل نتيجة نكاية، والبعض الآخر بأصوات السلطة لإسقاط الخصم… والبعض نتيجة جهل سياسيّ.
قد يكون من نتائج حراك ١٧ تشرين إعطاء الجاهل سياسيًا الحقَ في إبداء رأيه، والحق في تخوين المتابع الحقيقيّ، والحق في التأثير على الرأي العام. ليس من العار أن يكون شخص جاهلاً في موضوعٍ ما، لكنّ العار في أن يُجادل الجاهل بالموضوع، ويتعالى على مَن يدرك تفاصيله… علّمتنا الحياة ألّا نُجادل جاهلاً، لكن المشكلة هي عندما يُصبح هذا الجاهل مؤثرًا في حياة مجتمع، لا سيما في صناديق الاقتراع.
في حراك ١٧ تشرين، على الرّغم من مشاركة المحقّين المظلومين فيه، شارك البعض، خاصّة أبناء الجيل العشرينيّ، لأخذ صورة مع العلم اللبناني فقط، من جهة، ورسم العلم على خدّه من جهة أخرى… اعتقد هؤلاء أنّ تحمّل عبء الوطن هو بمجرّد رفع علمه عاليًا في الصور، ونسوا أنّ وطننا يغرق في مستنقع الصراعات الخارجيّة والداخلية، وأنّ علينا إنقاذ الوطن من الأزمات، وحمايته من المؤامرات، ووقايته من الخونة.
في حراك ١٧ تشرين، اهتمّ الكثيرون بالشأن السياسيّ؛ وعلى الرغم من جهلهم بالسياسة، قرّر البعض أن يتثقّف من خلال الإعلام "المأجور" فخزّن المعلومات الخاطئة، ومشى مع موجة الاتّهامات؛ أمّا البعض الآخر فقرّر أن يسأل ذوي الخبرة - أهلهم طبعًا - الذين حيّدوا زعيمهم الحكيم وشيطنوا الخصم.
ومرّت الأيّام، وأتى الاستحقاق الانتخابي، فقرّر هؤلاء المشاركة بكثافة في الاقتراع… فكانت نتيجة جهلهم السياسيّ انتخاب نوّاب مقنّعين بلباس تغييريين من دون التدقيق بسيَرهم الذاتيّة، ولا بمشروعهم وكيفية التطبيق. فانتُخبت المدافعة عن حقوق المرأة من جهة، وابتسمت للسخرية على امرأة أخرى من جهة ثانية، كذلك الأمر لدى التغييري الذي استقبلوه بالرصاص، والتغييري الذي طالب بفرق عقوبات إضافيّة على لبنان، والتغييري الذي احتفل بنجاحه مع أبناء المنظومة، والتغييري الذي نسي معاناة الناس وامتعض من انقطاع المكيّف خلال الجلسة، والتغييري الذي يستغلّ كلّ قضية للاستعراض به والمزايدة…
وانعقدت أوّل جلسة لمجلس النواب الجديد… فتحوّل نواب الصدفة إلى نواب الاستعراض.
دخل النواب الثلاثة عشر إلى البرلمان، لكن الناطقة باسمهم توجّهت نحو وسائل الإعلام للتصريح باسم هؤلاء، وكلّما أراد أحدهم الكلام وقفت هي لتتكلّم عنهم، ترشّح عنهم، تسحب ترشيحات عنهم…
نواب الاستعراض الذين انتهجوا طريقة الاعتراض من دون الحلّ، والتبديل من دون بديل، فلم يقدّموا أيّ بديل للمواقع النيابيّة بل كلّ ما فعلوه هو تقديم أوراق ملغاة، واعترضوا على الطريقة الطائفيّة للانتخاب… ألم يترشحوا على مقاعد طائفية وبقانون طائفيّ؟
وفي انتخاب اللجان، كيف قبلوا بالمناصفة الطائفية ولم يعترضوا؟
أمّا في ما يخصّ ما كتبوه على الأوراق، أي عبارة "العدالة لـ…"، فهو تسخيف أو استغلال للقضايا… فالعدالة هي من اختصاص السّلطة القضائيّة وليس التشريعيّة…
استمرّ النّهج في الجلسة الثانية، وستستمرّ طوال السنوات الأربع المقبلة…
السياسة ليست لعبة استعراض بل مسؤولية وطن… الاستعراض يتم ضمن برامج على شاشات التلفزة، ما امتهنتموه منذ البداية…