يعتبر الاستحقاق الرئاسي في تاريخ لبنان المعاصر محور الاستحقاقات وأبرزها. فقد تحول هذا الاستحقاق الدستوري إلى ذريعة لولادة الصراعات الداخلية المارونية – المارونية نظراً إلى الميثاق الوطني الذي أعطى الموارنة حصّة الرئاسة، والتي ما لبثت أن تحولت فيما بعد هذه الصراعات إلى نزاعات وطنية.
بدأ التناحر الرئاسي عام 1929 أي قبل الاستقلال بين كل من بشارة الخوري وإميل إده على خلفية توليهما رئاسة الجمهورية، ونتيجة الخلاف الحاصل بين المارونيين قدم الشيخ محمد الجسر ترشحه للانتخابات الرئاسية باعتبار أن الموارنة غير متفقين. فقرر عندها إميل إده وبشارة الخوري أن ينتخبا محمد الجسر وذلك نتيجة عدم اتفاقهما ونتيجة الخلاف الدائم الحاصل بينهما. عندها تدخلت الدولة الفرنسية التي كان لبنان تحت وصايتها وألغت الانتخابات الرئاسية وحلّت المجلس النيابي وتمّ تمديد ولاية الرئيس شارل دباس من الطائفة الأرثوذوكسية.
انتهى الانتداب الفرنسي واستقلّ لبنان عام 1943، ولم تنتهِ الخلافات الداخلية حول الرئيس المقبل وسياساته. فقد توالت هذه الخلافات عند كل انتخابات رئاسية، ولا تزال، حتى أصبح الفراغ الرئاسي عادة.
فقبل العام 2016، صمد لبنان حوالي السنتين دون رأس للدولة، نتيجة "التعطيل السياسي" الذي شنّته بعض الأحزاب الموالية لمحور الممانعة، وقد نجح هذا المحور من خلال انتخاب رئيس من فريقه.
إن الفريق المعطّل لا زال قادراً على التعطيل، والأسماء المطروحة والمرجّح ترشحها بإمكانها الوصول إلى سدّة الرئاسة في هذا الجوّ السياسي السائد. فكيف سيكون "شكل" الرئيس المقبل؟
هل سيكون "استفزازياً" كما وصفه واستبعده وليد جنبلاط؟ أم سيكون توافقياً؟
هل سيكون وسطياً أو رئيس الفريق الواحد؟
أمام تلك المواصفات التي تتفاوت بين مرشح وأكثر، المطلوب من الرئيس المقبل أن يكون بالمرتبة الأولى سيادياً - تغييرياً بإمكانه استيعاب جميع الفرقاء من جهة ومن جهة أخرى محاسبتهم.
رئيس يسترجع العلاقات اللبنانية – العربية، واللبنانية – الدولية، ويجهد لتطبيق مبدأ الحياد الإيجابي، والقرارات الدولية بما فيها القرار 1559 و1701، رئيس يفاوض باسم لبنان ويحفظ حقوقه مع كل البلدان المجاورة.
الرئيس المقبل يجب أن يكون لبنانياً قبل أن يكون أي شيء آخر!