ألا يكفي هجرانك عن روحي؟ أتيت الى الارض ملاكًا من السماء، سكنت في حنايا روحي. حرست مروج فؤادي بأنفاسك البريئة وغرست فيها بذور الحب والايمان، رويتني أمل الحياة والأمنيات بدموعك ووجعك فغدت انوار الفرح والصبر، وكانت قناديل مضيئة في ظلمة عمري. أفهمتني قيمة وجودي ومن أكون وجعلتني أدرك كم انّ الله قريب مني، بل ويلمسني كلما هتفت له وانا الذي كنت اعتقد انّه بعيد عني ملايين السنين الضوئية. أدركت معك المعنى الحقيقي للعالم والانسان. الأهم من كل هذه السمات والعطايا القيمة انّك كنت ملاكي، ابنتي وفلذة كبدي. انّني كنت انا والدك وكم انّ هذا الشرف رفيع وعظيم بأن أرتقي لتلك المرتبة السماوية وأنا الحقير الذي لا يستحق أن احضنك واضمّك الى قلبي، ولكن كنت كل يوم أغمرك بين ضلوعي واراقصك وادور بك في فناء بيتنا وأضحك مطوّلًا حتى ارى ابتسامتك ورضاك عليّ. نعم يا ملاكي وانت من لم تطأ الارض بقدميك ولم تولد الكلمات من شفتيك ولكن من نبضات قلبك، من نظرات عينيك، من ابتسامة ثغرك الساحر حدثتني وقرأت لي آلاف الكتب السماوية والدنيوية، حتى جعلت مني كاتبًا يفخر بمداد قلمه وينحت الحرف في صخر هذه الايام الصعبة والظروف الثكلى بالهموم والتعب.
لكن لم يطل بقاؤك، وبعد ان شعرت بالأمان والسلام في اعماقي وحياتي قررت الرحيل من هذه الارض وعدت ادراجك الى السماء. سلخت معك فؤادي وروحي فبقيت جسدًا مشردًا ضائعًا وحيدًا متعبًا مثقلًا بالهموم. عدت ادراج موطنك في الملكوت الابدي ولكنك تركت في اعماقي ورودًا لا تموت، بل تحيي روحي دومًا بعطرك فأتنشق القيم والايمان والقوة كلما احتجت اليك وجعلت في دربي ملاك الروح ينثر الأمل والرجاء في قلبي ويزيّن أيامي بصلابة البقاء، بطهارة النفس وببصيرة الوجود.
كم انني اتوق اليك يا حبيبتي، فأنا مشتاق إلى بريق تلك العينين الساحرتين، إلى وهج البراءة المشعّ من وجهك الوضّاح. كم أتمنى أن القاك مجدّدًا لأجد نفسي الضالة فأستحوذ على السلام في أعماقي، لذلك يا ملاكي لا تتركيني أتوه في هذا العالم وهمومه ورغباته بل ساعديني ان أكمل السير في الطريق التي توصلني اليك، التي تنقذ نفسي من الفناء وينطفئ النور الذي يدلني اليك، الى السماء فأبتعد عنك إلى الأبد ولا نلتقي مجددًا. افسحي لي درب اللقاء لأضمك وأغمرك على الدوام دون الخوف من غد يبعدك عني او يسحق روحي لرحيلك. وإن أخطأت فاسألي الله المغفرة والعفو لقلب يحبه ويؤمن به بقوة وعظمة أكبر من الجبال التي خلقها وأعمق من البحار التي جعلها في هذه الأرض. على أمل اللقاء سأعيش بفرح ورجاء وسأكون سراجًا بمداد قلمي لعطر ورودك المزروعة في فكري وفؤادي يا ملاكي. الى اللقاء.