النهار

لنضئ بيروت
ورغم كل شيء سنظل نكتب حتى بلا كهرباء... على ضوء الهاتف النقال... على ضوء الشموع!
A+   A-
كانت تلك النظرة التي تمدني بالقوة لمتابعة طريقي إلى العمل كل يوم حوالي الثامنة صباحاً.. ذلك الوجه الأبيض كله نور كالسيف المضيء تحت السماء الزرقاء الصافية أنواراً من السماء ترافق جبينه العريض! أراه أبتسم بداخلي للصدف التي يمكن أن تصادفنا هكذا دون أي تخطيط هو جبران السيف المنير! حينها كنت أرسل مقالاتي إلى نهار الشباب كل أسبوع من خلال فاكس مكتب المحاماة الذي كنت أعمل فيه. كنت افرح أن مقالاتي تنشر.. أحسست حينها كم الكلمة والكتابة مهمة في جريدة النهار وأحببتها وأحببت نهار الشباب وأحببت جبران السيف المنير! كنت افكر وأبتسم كل صباح وأقول لنفسي لو يعرف بأنني أنا التي أبعث بمقالاتي وأنا التي تتصل لتطمئن إذا استلموها فيرد صاحب الوجه المنير … وظلت الحكاية والنظرة الصامتة والمقالات تنشر حتى طلعت شمس ذلك اليوم الشنيع واختفى نور السيف. مشيت ببطء ثقيل أتلفت حولي لعلٌي أصادف الواقع من جديد لأتابع قلمي ومقالاتي. لم أتخيل أن القلم لم يعد يرغب بالكلام ولا الفاكس يرغب بالإرسال!
بيروت وشوارعها تذكرنا بحكايات ولدت معنا كل يوم لدينا كلمات كثيرة والذكريات تمدنا بالحزن والقوة... ما دام هناك حكاية لكل مواطن ستظل بيروت القلم الراوي ونظرة الأمل للنهوض لنهار جديد. بيروت لن تموت لكن من زرعوا الروح في بيروت لنحيا رحلوا ليتركوا بيروت وحيدة. صحيح لن تموت لكن جدرانها حزينة وفي شوارعها صور كثيرة... أنا فتاة أمشي في شوارع بيروت الحزينة يرافقني نور الذين رحلوا في شوارعها ظلماً. أستذكر وأمشي وأمشي وأتعلق أكثر ببيروت... ما السر الغريب لمدينة شهدت حزن شعبها فازدادت حباً لشعب صامد يحب الحياة؟ فالرحيل من هنا صعب والهجرة تفرض على شبابنا لأن الحياة أصبحت مستحيلة! أين أضواء المدينة؟ أين أصدقائي؟ أين الناس الذين أحبهم؟ هاجروا جميعاً… وأنا ما زلت أمشي مع صاحبتي بيروت الحبيبة تحاول إقناعي لا للهجرة بل للبقاء لأنني صاحبتها منذ الطفولة ومسارحها تناديني وفنها يوقفني بمكاني لأشاهد فيلماً جديداً واقعياً لبيروت...
ورغم كل شيء سنظل نكتب حتى بلا كهرباء... على ضوء الهاتف النقال... على ضوء الشموع! أستغرب وأسأل نفسي: الجميع يريد الرحيل ولمَ أنا لا؟ رغم أن نصف قلبي هناك تنتظرني ببلاد الغربة هي أمي التي تركتني غصباً عنها لألحق بها يوماً... تركتني أنا وصاحبتي بيروت مع حكايات كثيرة لأحملها معي وأعود إلى صخرة الروشة يوماً وألقي التحية من نافذة الطائرة وأكتب على ورقة صغيرة لنهار الشباب.. سنعود لنضيء معاً بيروت من جديد.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium