تقر كافة تشريعات العالم بحق الأفراد وسائر الأشخاص المعنويين من شركات وجمعيات وغيرها، بالحق باللجوء إلى التحكيم، وهو قضاء خاص مواز لمحاكم الدولة وبديل عنها. والتحكيم وسيلة لفض النزاعات القابلة للصلح، مدنية أو تجارية كانت، مالية أو عقارية، محلية أو دولية. فهو قضاء خاص ينهي المنازعات بخصوصية تامة وسرعة وتخصص.
وفي لبنان تناول قانون أصول المحاكمات المدنية التحكيم، ونظمه في شقيه المحلي والدولي، بينما خصصت معظم دول العالم قانوناً منفرداً خاصاً به. وبالرغم من أن القانون اللبناني ما زال يعتبر عصرياً يواكب تطورات التحكيم في العالم، إلا أنه بات بحاجة إلى بعض التعديلات التي تخرج عن موضوعنا الآن.
لا شك أننا في لبنان بحاجة إلى تعميم فكرة القضاء الخاص وإلقاء الضوء عليها، لتصبح معتمدة من الجميع. واللجوء إلى التحكيم يشترط توافق كافة أطراف أي علاقة قانونية كالعقود، على اعتماده في حال نشأ نزاع ناتج عن هذه العلاقة. وهو يختلف عن الوساطة، بأن القرار الناتج عنه ملزم للأطراف كما الأحكام القضائية، ويستطيع أي طرف الزام الآخر بتنفيذه بعد حصوله على الصيغة التنفيذية.
ونلاحظ أن الكثيرين ممن لجأوا إلى التحكيم، بمن فيهم الدولة والمؤسسات العامة، لم يبذلوا الجهد المطلوب في معرفة آثار
هذا التنازل عن اللجوء إلى قضاء الدولة من خلال التحكيم. الأمر الذي يؤدي غالباً إلى فقدان التحكيم لأهم أهدافه المتمثل بالسرعة في فض النزاع، والقدرة على تنفيذ القرار التحكيمي.
إذاً، يجب قبل التوقيع على الاتفاق التحكيمي، معرفة كيفية
اختيار المحكم أو الهيئة التحكيمية أو مركز التحكيم، والفرق بين التحكيم الحر والمؤسسي، كما إجراءات التحكيم والقانون الواجب التطبيق، إلى ما يلي من تنفيذ القرار أو الطعن به. والسبب انه ليس هناك نظام واحد يحكم كل هذه الأمور.
ومن أهم ما يميز التحكيم ويجعله مفضلاً على قضاء الدولة، السرعة في بت النزاع، إذ إن للأطراف أن يتفقوا مع الجهة المحكّمة على المهلة القصوى التي يجب صدور القرار التحكيمي خلالها. أضف إلى أنه لأطراف النزاع أيضاً أن يختاروا بعناية المحكّم الذي سينظر في دعواهم، كأن يكون ذا خبرة في مجال النزاع، الأمر الذي لا
يتوافر في قضاء الدولة حيث يتم توزيع الدعاوى إدارياً بعيداً
عن إرادة الأطراف. وما يميز التحكيم أيضاً الخصوصية والحفاظ على سرية إجراءاته والقرار الذي ينتج عنه، في حين تعتبر العلنية شرطاً لصحة
العمل القضائي، فترى الشركات الكبرى تلجأ إلى هذا القضاء الخاص حفاظاً على سمعتها التجارية.
إذاً التحكيم دون شك هو وسيلة ناجعة تلبي حاجات أطراف
النزاع، وتعكس إرادتهم في كيفية حل منازعاتهم، غير أنه كما أشرنا
يجب أن يترافق سلفاً مع معرفة إجراءاته والتعامل مع نتائجه… (يتبع)