أجلس وحيداً على صخرة العمر، ومن تحتها ينساب نهر الحياة. أُطلق أنفاس التأمل وآهات الزمن فتطير فوق مياه الماضي، وتقرأ على مسامعي تاريخ بطولات رابط روحنا. كيف التقينا تحت عواصف وزمهرير حكم المجتمع القارس؟ كيف واجهنا جبالاً من التحدّيات، فكنّا نتسلّق بإرادة صلبة قمم المصاعب، ولا نهاب الدنيا بأسرها؟
نعم، لأننا كنا أطفالاً في براءة مشاعرنا، صادقين في أفكارنا، مرهفين ثابتين في أهدافنا، والأهم لأن اللحمة التي بيننا كان يحرسها ملاك من السماء وأمّ ربنا، وبنورهما كنّا نسير في الظلمات ولا نهاب من الذئاب البشرية.
عادت طيور أنفاسي وتنهيداتي إلى أعماقي. فكّرت ملياً بكلّ ما رأيت، ثم كتبت كلمة السر "اسمك" على قلبي، فانفتحت بصيرتي، وفاحت عطور الورود من روحك القاطنة فيه. مددت يدي إلى نهر الحياة، اختزنت منه ما يكفي لترتوي روحك، ثم سكبت مياهه مع دموعي في أعماقي، وكتبت على جبين الأفق: ما وُلد بيننا أنجبته السماء، ووضعت مهده فينا، وهو أزليّ لا يموت أبداً. به نحيا، ومنه نتنفّس نسيم الوجود، فينبض في قلبينا حبّاً طاهراً وقوة إخلاص وإيمان، فأنا هو وهو أنا.
أقف وألملم عتاد رحلة العمر، ثم أعود ممتطياً جواد الطموح، وفي يدي قلم الروح، ودرع الإرادة، وأكمل دربي نحو هدفي وواحة أحلامي، علّني أصل إلى مبتغاي، إلى النصر الأكيد.